الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: هل يقرع في القسمة والاستهام فيه

          ░6▒ (باب هَلْ يُقْرَعُ) بضمِّ التَّحتيةِ أوَّلهُ وسكونِ القافِ وفتحِ الرَّاء، من القَرعِ، وبكسرِهَا من الإقرَاعِ، والاسمُ: القُرعَةُ، بالضمِّ (فِي الْقِسْمَةِ) أي: في الاقتسَامِ للمَالِ بينَ الشُّركاءِ (وَالاِسْتِهَامِ) مصدَرُ: استَهَم بالسِّين المهملةِ والمثنَّاة الفوقيَّة وهو مجرُورٌ عَطفاً على القسمَةِ، وأصلُ الاستهَامِ: الإقرَاعُ، والمرادُ هنا: أخذُ القِسمِ؛ أي: النَّصيبِ، إذ لا معنَى لقولِهِ: هل يقرَعُ في الإقرَاعِ (فِيهِ) متعلِّقٌ بالاستهَامِ، وضمِيرهُ عائدٌ إلى القسمِ أو المالِ الَّذِي يدُلُّ عليهِمَا القسمَةُ أو يعُودُ إلى القسمَةِ وتذكيرُ الضَّميرِ باعتبَارِ أنَّها بمعنَى القسمِ، ولا يتعيَّنُ الوَجهُ الأخيرُ، كما ادَّعاهُ العَينيُّ، واعترَضَ على ((الفتح)) والكرمَانيِّ بأنَّه لم يُذكَر هنا قسمٌ ولا مالٌ ليعُودَ الضَّميرُ إليه، انتهى.
          لما علِمتُ من دلالَةِ القِسمَةِ عليهمَا وهو ظاهِرٌ بأدنَى تأمُّلٍ، وجوابُ ((هل)) محذُوفٌ يقدَّرُ بنحو: نعَم يُقرَع في القِسمَةِ والاستهَامِ، بمعنَى أَخذِ القسمِ والعطفُ مغَايرٌ كما هو الأصلُ فيه، لكن قال شيخُ الإسلامِ ثمَّ لا يَخفَى أنَّ الإقرَاعَ ليسَ متعدِّداً كما اقتضَاهُ العطفُ، فالعَطفُ عطفُ تفسيرٍ فيرجِعُ إلى أنَّ المرادَ بالإقرَاعِ في القسمِ الإقرَاعُ في أخذِهِ، انتهى فتدبَّر.
          قال ابنُ بطَّالٍ: القُرعةُ سنَّةٌ لكلِّ من أرادَ العدلَ في القسمِ بينَ الشُّركَاءِ، والفقهَاءُ مُتَّفقون على القولِ بهَا، وخالفَهُم بعضُ الكوفيِّينَ وقالُوا: لا معنَى لها؛ لأنَّها تشبِهُ الأزلامَ الَّتي نهَى اللهُ عنها، وحكَى ابنُ المنذِرِ عن أبي حنيفَةَ أنَّه جوَّزهَا، وقالَ: هي في القيَاسِ لا تستقِيمُ، لكن نترُكُ القيَاسَ فيها للأحَادِيث الوارِدةِ في فعلِهَا، انتهى.
          ولخِلافِ بعضِ الكوفيِّينَ في جوازِهَا لم يجزِمِ المصنِّفُ بها في التَّرجمةِ، فافهَمْ.