الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: ناد في الناس فيأتون بفضل أزوادهم

          2484- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا بِشْرُ) بكسرِ الموحَّدةِ وسكونِ الشِّينِ المعجمةِ (ابْنُ مَرْحُومٍ) بضمِّ الحاء المهملةِ، نسبَةً لجدِّهِ لشُهرتهِ به، وإلَّا فأبُوهُ عَبِيس _بالعينِ والسِّين المهملتينِ وبينهُمَا موحَّدةٌ_ مصغَّراً الطَّائيُّ، قال: (حَدَّثَنَا حَاتِمُ) بالحاءِ المهملةِ (ابْنُ إِسْمَاعِيلَ) أي: المزنِيُّ.
          (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ) مصغَّراً (عَنْ سَلَمَةَ) بفتحَاتٍ؛ أي: ابنَ الأكوَعِ، وثبتَ في بعضِ الأصُولِ: <ابنَ الأكوَعِ> مَولى يزيدَ قبلَهُ ☺ (قَالَ: خَفَّتْ) بتشديدِ الفاءِ؛ أي: قلَّتْ (أَزْوَادُ) وللحموِيِّ والمستَمليِّ: <أزودَةُ> (الْقَوْمِ) جمعَانِ لزَاد، وكان في غزوَةِ هوازِنَ، كما عندَ الطَّبرانيِّ من حديثِ سلمَةَ أيضاً بلَفظِ: ((غزَونَا معَ رسُولِ اللهِ صلعم هوَازِنَ فأصابَنَا جُهدٌ شديدٌ حتَّى هممنَا بنحرِ بعضِ ظهرِنَا)) الحدِيث. وفيه: ((فتطاوَلتُ لهُ _يعني: للزَّادِ_ أنظرُ كُم هو؟ فإذا هو كرِبضٍ، قال: فحشَونَا جرُبَنَا منه، ثمَّ دعَا رسُولُ اللهِ صلعم بنُطفَةٍ من مَاءٍ في إداوَةٍ فأُمِرَ بها فصُبَّت في قِدحٍ فجعَلنَا نتطَهَّرُ به حتَّى تطهَّرنَا جميعاً)).
          وقولُهُ: (وَأَمْلَقُوا) بقطعِ الهمزَةِ وبالقافِ؛ أي: افتقرَ القومُ (فَأَتَوُا) بفتحِ الفوقيَّة (النَّبِيَّ صلعم فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ) أي: في شأنِ ذبحِهَا لاحتيَاجِهِم إلى ذلكَ (فَأَذِنَ) بالبناءِ للفاعلِ (لَهُمْ) أي: في ذبحِهَا (فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ) أي: ابنُ الخطَّابِ ☺؛ أي: بعدَ استئذَانِهِم النَّبيَّ في نَحرِهَا (فَأَخْبَرُوهُ) أي: عُمرَ بذلكَ.
          (فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ) بالمدِّ (بَعْدَ إِبِلِكُمْ) أي: إذا نحرتُمُوها؛ لأنَّ تتابُعَ المَشي قد يَقضِي إلى الهلاكِ (فَدَخَلَ) أي: عمرُ (عَلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم) أي: لعمرَ (نَادِ فِي النَّاسِ) أي: الَّذينَ معهُ في الغزَاةِ.
          وجملُةُ: (يَأْتُونَ) بضمِّ الفوقيَّةِ، حالٌ أو مستأنفَةٌ، ولغيرِ أبي ذرٍّ: <فيأتون> (بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ) أي: بالبَاقِي منهَا (فَبَسَطَ) أي: النَّبيُّ (لِذَلِكَ نِطَعاً) وفي بَعضِ الأصُولِ: <فبُسِطَ لذلكَ نِطَعٌ> ببنَاءِ ((بُسِط)) للمفعُولِ ورفعِ ((نطع)) على النِّيابةِ عن الفَاعلِ (وَجَعَلُوهُ) أي: فضلَ أزوادِهِم (عَلَى النِّطَعِ) بكسرِ النُّون وفتحِ الطَّاء وسكونِهَا وبفتح النُّون وسكونِ الطَّاء وفتحِهَا وبضمِّها، وأفصحُهَا أُولاهَا.
          (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم فَدَعَا وَبَرَّكَ) بتشديدِ الرَّاء المفتُوحةِ (عَلَيْهِ) أي: دعَا بالبرَكةِ على فضلِ الأزوَادِ المجمُوعِ على النِّطعِ (ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ) أي: بإحضَارِهَا بين يدَيهِ، جمعُ: وِعَاء _بكسرِ الواو والمدِّ_ (فَاحْتَثَى) بسكونِ الحاءِ المهملةِ ففوقيَّةٌ ومثلَّثةٌ مفتُوحتينِ؛ أي: فأخَذَ (النَّاسُ) أي: الطَّعامَ حثيَةً حثيَةً، وهي الأخذُ بالكفَّينِ (حَتَّى فَرَغُوا) أي: من أخذِ الطَّعامِ وملأوا أوعيَتَهُم مع أنَّ أصلَهُ كان قَليلاً، ففيهِ مُعجِزةٌ لرسُولِ اللهِ صلعم وينبَغِي الاعترَافُ بها وإظهَارُهَا.
          ولذا قالَ سلمَةُ: (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) أي: إلى النَّاسِ كافَّةً، وللبيهقيِّ من حديثِ أبي عَمرةَ الأنصَاريِّ: فمَا بقيَ في الجيشِ وعَاءٌ إلَّا ملأه وبقيَ مثلهُ فضَحِكَ حتَّى بدَتْ نواجذُهُ، وقالَ: ((أشهَدُ أنَّ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنِّي رسُولُ اللهِ، لا يلقَى اللهُ عَبدٌ مُؤمنٌ بهِمَا إلَّا حُجِبَ من النَّارِ)).
          ومُطَابقةُ الحديثِ للتَّرجمةِ في قولِهِ: ((جمعَ أزوَادَهُم... إلخ)) فأخذَهَا عليهِ السَّلامُ بغيرِ قسمَةٍ وفرَّقهَا عليهِم بغَيرِهَا أيضاً، وكانَ ذلك برضَاهُم أو كان للضَّرُورَةِ وإن لم يرضَوا بذلكَ، واقتَدَى به أبو عُبيدَةَ، كما مرَّ في الحديثِ الَّذي قبلَ هذا.
          وهذا الحديثُ من أفرادِ البُخاريِّ، وأخرجهُ / أيضاً في الجهادِ.