الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كنا نصلي مع النبي العصر فننحر جزورًا

          2485- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) أي: الفِريابيُّ _بكسرِ الفاءِ_ قال: (حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ) أي: عبدُ الرَّحمنِ بن عَمرٍو، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ) بفتح النُّون وتخفيفِ الجيمِ فألفٌ فشينٌ معجَمةٌ فتحتيَّةٌ مشدَّدةٌ وقد تخفَّفُ، هو عطاءُ بن صهَيبٍ، وقيلَ: رافعُ بن صُهيبٍ.
          (قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ) بالرَّاء (ابْنَ خَدِيجٍ) بفتحِ الخاءِ المعجمةِ وكسر الدَّال المهملةِ فمثنَّاةٌ تحتيَّةٌ فجيمٌ (☺) وهو المنسُوبُ إليهِ الإمام الرَّافعيُّ على الصَّحيحِ.
          (قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي) بالصَّاد المهملةِ، خبرُ: ((كُنَّا)) (مَعَ النَّبِيِّ صلعم الْعَصْرَ) مفعُولُ ((نُصلِّي)) و((معَ)) ظرفٌ له لا حالٌ من فاعلِهِ ولا منِ اسمِ ((كُنَّا)) (فَنَنْحَرُ) بنونينِ بعدَ فاء العَطفِ؛ أي: فنذبَحُ (جَزُوراً) بفتحِ الجيمِ، هو البعِيرُ أو خاصٌّ بالنَّاقةِ المجزُورَةِ، والجمعُ: جزَائِرُ وجُزُر وجزرَاتٌ، قالَهُ في ((القاموس)).
          (فَنُقْسَمُ) بالفاءِ، وفي بعضِ النُّسخِ: <ونَقْسم> بالواوِ وبفتح النُّون وسكون القافِ، وفي بعض النُّسخِ: بضمِّ النُّون وفتح القافِ وعليهمَا فالمفعولُ محذُوفٌ؛ أي: فنقسِمُها (عَشْرَ قِسَمٍ) أي: أجزاءٍ، وفي بعضِ النُّسخِ: <فتُقَسم> بضمِّ الفوقيَّة وفتح القافِ أو بسكُونهَا والبناءُ للمفعُولِ، و((قِسَم)) _بكسرِ القافِ وفتح السِّين_، جمعُ: قسمَةٍ؛ أي: فلذَا تُرِكتِ التاءُ في عشر، فافهَم.
          (فَنَأْكُلُ لَحْماً نَضِيجاً) بكسر الضَّاد المعجمةِ والجيمِ؛ أي: مشوِيًّا، قال ابنُ الأثيرِ: النَّضِيجُ المطبُوخُ، فعيلٌ بمعنَى مفعُول، وقال في ((القاموس)): نَضِجَ الثَّمَرُ واللَّحمُ كسمِعَ نُضْجاً ونَضْجاً، أدرَكَ فهو نَضِيجٌ وناضِجٌ وأنْضَجْتُه، وهو نَضِيجُ الرَّأي: مُحكَمُه، انتهى.
          (قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ) وظاهِرُ هذا الحديثِ أنَّهُم كانُوا يفعلُونَ هذا الفعلَ بالفعلِ بعدَ صلاتِهِم العصرَ، ويحتمَلُ على بعد أن يكونَ المرادُ: لو أرادُوا ذلك لأمكَنَهُم، فليُتأمَّل.
          ومطَابقتهُ للتَّرجمةِ في قولِهِ: ((فنَنحِرُ جَزُوراً فيَقسِمُ... إلخ)) فإنَّ فيه جمعَ الأنصُبِ وقسمَتَها مُجازفةً؛ لأنَّ هذا من باب المعروفِ فاحتُمِلَ فيه التَّفاوتُ.
          قالَ ابن التِّينِ: فيه الحجَّةُ على من زعمَ أنَّ أوَّل وقتِ العصرِ مصيرُ ظلِّ الشَّيءِ مثليهِ، وخالفَهُ الكرمَانيُّ فقالَ: فيه أنَّ وقتَ العصرِ عندَ مصيرِ الظِّلِّ مثليهِ ليسَعَ هذا المقدَارَ، انتهى فليتَأمَّل.
          وهذا الحديثُ من الأحادِيثِ المذكُورةِ في غيرِ مظنَّتهَا، وفيه التَّعجيلُ بالعصرِ.
          وتقدَّمَ في المواقيتِ عن رافعٍ أيضاً تعجِيلُ المغرِبِ، ولفظُهُ: كنَّا نُصلِّي المغربَ مع النَّبيِّ صلعم فينصرِفُ أحدُنا وإنَّه ليُبصر مواقعَ نبلِهِ.