الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: بعث رسول الله بعثًا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة

          2483- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) أي: التِّنِّيسيُّ، قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتحِ كافِ كيسَان، وسكونِ هاء ((وهْب)) (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ☻ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم بَعْثاً) بسكونِ العينِ؛ أي: جَيْشاً (قِبَلَ) بكسرِ القافِ وفتح الموحَّدةِ؛ أي: جهَةَ (السَّاحِلِ) بالسِّين والحاء المهملتينِ، شاطئِ البحرِ.
          (فَأَمَّرَ) بتشديدِ الميمِ المفتُوحةِ؛ أي: رسولُ اللهِ صلعم (عَلَيْهِمْ) أي: على البعثِ (أَبَا عُبَيْدَةَ) بضمِّ العينِ المهملةِ (ابْنَ الْجَرَّاحِ) بفتح الجيمِ وتشديدِ الرَّاء، جدُّ أبي عُبيدَةَ، فإنَّه عامرُ بنُ عبدِ الله بن الجرَّاح الفهريُّ القرشيُّ أمينُ هذهِ الأمَّةِ أحدُ العشرَةِ، شهدَ المشَاهدَ كلَّها معَ رسولِ اللهِ وماتَ وهو ابنُ ثمانٍ وخمسينَ سنةً في طاعُونِ عمواسَ شَهيداً بهِ، وصلَّى عليه معاذُ بن جبَلٍ ودُفِن بغُورِ بيسانَ وعلى قبرِهِ عمارَةٌ مشرقَةٌ بالأنوَارِ جدَّدهَا الظَّاهرُ بيبَرسَ وقد زرتُهُ ونمتُ عندَهُ غالبَ ليلَةٍ، ومدحتُهُ بقصيدَتَينِ ذكرتُهُما في الرِّحلةِ لبلادِنَا، وسمَّيتُهَا: ((تسليَةُ المشجُونِ في الرِّحلةِ لبِلادِ عَجلُونَ)) وستأتِي ترجمتهُ في المناقبِ إن شاءَ اللهُ تعالى، وكانَ البعثُ في رجَبَ سنةَ ثمانٍ زمنَ الهجرَةِ.
          (وَهُمْ) أي: البعثُ (ثَلاَثُمِائَةٍ) وجملةُ: (وَأَنَا فِيهِمْ) حاليَّة وهو... إلخ من كلامِ جابرٍ، وكانَ هذا البعثُ من المهاجرِينَ والأنصَارِ، ومنهُم: عمرُ بنُ الخطَّابِ وقيسُ بن سعدِ بن عُبادةَ أيضاً إلى حيٍّ من جُهَينةَ في ساحلِ البحرِ وقيل: ليرصُدَوا عيراً لقريش، ويقالُ لهَذا البعثِ: سريَّةُ الخَبَطِ وجَيشُ الخَبَط _بفتح الخاءِ المعجمةِ والموحَّدةِ_ لا كُلُّهم لورقِهِ لما فَنِي زادُهُم وهو شَجرٌ له ورقٌ قد يُنفَضُ بالمخابطِ ويجفَّفُ ويُطحَنُ ويُخلَطُ بدقيقٍ أو غيرِهِ ويزحَقُ بالماءِ فتؤجِرهُ الإبلُ وكُلُّ ورقٍ مخبُوطٍ.
          (فَخَرَجْنَا) أي: منَ المدينَةِ للغَزوِ (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ) بكسر النُّونِ (الزَّادُ) أي: أشرَفَ الزَّادُ على الفناءِ، أو أرادَ بالفنَاءِ القِلَّةَ، أو أخبرَ جابرٌ عن نفسِهِ ولا يُنافِي ما بعدَهُ، وظاهرُهُ أنَّ الزَّادَ فنيَ قبلَ وصُولهِم (فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ) جمعُ: زادٍ، بالزَّاي (ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ) بفتحِ الميمِ، وفي بعضِ الأصُولِ بكسرِهَا وضمِّ الجيمِ مبنيًّا للمفعُولِ (ذَلِكَ كُلُّهُ) فيه الإشارَةُ بذا للجمعِ كقولِهِ:
وَسُؤَالِ هَذَا النَّاسِ كيفَ لَبِيدُ
          ويحتملُ رجوعُهُ للزَّادِ.
          (فَكَانَ) أي: الزَّادُ أو ذلكَ (مِزْوَدَيْ تَمْرٍ) بكسرِ الميمِ وسكُون الزَّاي وفتح الواوِ والدَّال المهملةِ، تثنيةُ: مِزوَد، وهو ما يُجعَل فيه الزَّادُ كالجرابِ (فَكَانَ) أي: أبُو عبيدَةَ (يُقَوِّتُنَا) بضمِّ التَّحتيةِ أوَّلهُ وكسرِ الواو المشدَّدةِ، وضميرُ الغيبةِ المنصوبُ الرَّاجعُ إلى الزَّادِ أو التَّمرِ في روايةِ أبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ، وسقطَ الضَّميرُ لأكثرِ الرُّواةِ (كُلَّ يَوْمٍ) منصُوبٌ على الظَّرفيَّة الزَّمانيَّةِ (قَلِيلاً قَلِيلاً) بتكرِيرهِ للتَّأكيدِ على إرادَةِ نعيمِ القَليلِ / لكُلِّ واحدٍ فتدبَّر، وهو منصُوبٌ في روَايةِ أبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ على المفعُوليَّةِ لـ((يقوتنا)) على حذفِ ضميرِهِ، وعلى الحاليَّةِ على إثباتِهِ أو على أنَّهُ صفةُ مصدرٍ محذُوفٍ.
          قال القسطلانيُّ: وفي روايةٍ عن الحَموِي والمستَمليِّ: <يَقُوْتنا> بفتح أوَّلهِ وضمِّ القافِ وسكونِ الواو، <كلُّ يومٍ قليلٌ قلِيلٌ> بالرَّفع، انتهى.
          قال شيخُ الإسلامِ: خبرٌ لمحذُوفٍ، انتهى.
          وأقولُ: لو جعلَ رفعَهُ بالفاعليَّةِ لـ((يقُوتُنا)) واسمُ ((كان)) ضمِيرُ الشَّأنِ أو عائدٌ إلى التَّمرِ بضربٍ منَ المجازِ والعائِدُ منه مقدَّرة بعد ((قليلاً)) لم يمتنِعْ وإن كانَ في الأخيرِ بعدٌ، فتأمَّل.
          وقولُهُ: (حَتَّى فَنِيَ) غايةٌ لـ((يقوتنا)) أو ((قليلاً))، وما تقدَّمَ في ((فنِي)) الأُولَى يأتِي هنا (فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ) بتكرِيرِ: ((تمرةٌ)) لبيَانِ أنَّه لم يحصلْ لكُلِّ واحدٍ إلَّا تمرَةٌ، ورفعُهَا على أنَّها فاعِلُ ((يصيبنا))؛ لأنَّ الاستثنَاءَ مفرَّغٌ، واسمُ ((يكن)) مستترٌ فيها يعُودُ إلى الشَّأن، وجملةُ: ((يصيبنا)) هو الخبرُ، وفي بعضِ الأصُولِ ضبطُ ((تمرةً تمرةً)) بالنَّصبِ على أنَّه حالٌ من فاعلِ ((يُصِيبنا))، واسمُ ((يكُن)) وفاعل ((يصيبنا)) ضميرٌ يعُودُ على التَّمرِ، فتدبَّر.
          وقولُهُ: (فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ) من كلامِ وهبٍ لجابرٍ؛ أي: وأيُّ شيءٍ تكفِي التَّمرةُ أو تسدُّ من الجُوعِ، ولمسلمٍ عن جابرٍ فقلتُ: كيف كنتُم تصنعُونَ بها؟ قال: نمُصُّها كما يمُصُّ الصَّبيُّ ثمَّ نشرَبُ عليهَا منَ الماءِ فتكفِينَا يومَنَا إلى اللَّيلِ.
          (فَقَالَ) أي: جابرٌ لوَهبٍ (لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا) أي: التَّمرةَ؛ أي: رأى كلُّ واحدٍ منَّا لفقدِ التَّمرةِ التي يُعطَاها في اليومِ واللَّيلةِ تأثيراً، وقالَ الكرمَانيُّ: أي: رأى أحدُنَا فقدهَا مُؤثِّراً شاقًّا علينَا أو حُزناً لفقدِهَا، انتهى.
          (حِينَ فَنِيَتْ) بكسر النُّون والبناء للفاعلِ.
          ومُطَابقةُ الحديثِ للتَّرجمَةِ في قولِهِ: ((فأمَرَ أبُو عبيدٍ بأزوادِ ذلك الجَيشِ فجمَعَ... إلخ)) فإنَّ فيه شركَةً في طعامٍ، لكن استشكلَهُ الدَّاوديُّ بأنَّه ليسَ في حديثِ أبي عبيدَةَ ولا الَّذي بعدَهُ ذكرُ المجازفَةِ؛ لأنَّهُم لم يُريدُوا المبايَعةَ ولا البدَلَ، وإنَّما يفضُلُ بعضُهم بعضاً لو أخَذَ الإمَامُ من أخذِهِم للآخرِ.
          وأجابَ ابنُ التِّينِ: بأنَّه إنَّما أرادَ أنَّ حقُوقَهُم تسَاوتْ فيه بعدَ جُمعَةٍ، ثمَّ تناوَلُوهُ مجازَفةً كما جَرتْ به العادَةُ.
          تنبيهٌ: قالَ ابنُ الملقِّنِ: ذكر هُنا أنَّه لما كُنَّا ببعضِ الطَّريقِ فَنِيَ الزَّادُ، وفي روايةٍ: ((فكانَ أبو عُبيدَةَ يُعطِينا تمرةً تمرَةً))، وفي أُخرى: ((ونحنُ نحمِلُ أزوادَنَا على رقَابنَا))، وفي أُخرَى: ((زوَّدَهُم _أي: النَّبيُّ_ جرَاباً من تمرٍ))، وفي أُخرَى: ((فجمعَ أبُو عُبيدَةَ زادَهُم))، ولمسلمٍ: ((يُعطِينَا قبضَةً قبضَةً)).
          قالَ: ووجهُ الجمعِ كما قالَ عياضٌ أن يكُونَ عليه السَّلامُ زوَّدَهُم الجرَابَ زائداً على ما كانَ معَهُم منَ الزَّادِ من أموالِهِم، ويحتمَلُ أنَّه لم يكُنْ في زادِهِم تمرٌ غيرُ هذا الجرَابِ، وكانَ معهُم زادٌ غيرُهُ، وإعطَاءُ أبي عُبيدَةَ تمرَةً تمرَةً كانَ في الحالِ الثَّاني بعدَ أن فَنِيَ زادُهُم، وبعد أن أعطَاهُم قَبضةً قبضَةً، ثمَّ لما فرغَ وفقَدُوا التَّمرَةَ ووجَدُوا لفَقدِهَا وَقعاً جمعَ أبُو عُبيدَةَ الأزوَادَ، انتهى.
          وأقولُ: في قولِهِ: ((لم يكُنْ في زادِهِم غيرُ هذا الجرَابِ شَيءٌ)) مع قولِهِ في ((الصَّحيح)) هنا: ((فكَانَ مزوَدَي تمرٍ))، فتدبَّر.
          (قَالَ) أي: جابرٌ ☺ (ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ) أي: إلى ساحلِهِ، وقالَ الدَّاودِيُّ: البحرُ موضِعٌ، والظَّاهرُ أنَّهُ المعهُودُ، انتهى.
          (فَإِذَا حُوتٌ) بضمِّ الحاءِ المهملةِ؛ أي: ألقَاهُ البحرُ ميتةً على ساحلِهِ، قال ابنُ الملقِّنِ: الحُوتُ يقعُ على الواحِدِ والجمعِ، وجمعُهُ: حيتَانٌ، وهي العظَامُ.
          قالَ ابنُ سيدَه: الحُوتُ السَّمكُ اسمُ جنسٍ، وقيل: ما عظُم منه، والجمعُ: أحوَاتٌ، وقالَ الفرَّاءُ: جمعُهُ حُوتٌ وأحوَاتٌ في القلَّةِ، وحِيتانٌ في الكثرَةِ، انتهى.
           / ويقالُ له: العنبَرُ، وهو كمَا قال الدُّميرِيُّ: سمكَةٌ بحريَّةٌ كبيرةٌ يتَّخذُ من جلدِهَا التِّرَاسُ.
          (مِثْلُ) بكسرِ الميمِ، وهو صفةُ حُوتٍ؛ أي: ممَاثلٍ (الظَّرِبِ) بفتح الظَّاء المشالَةِ وكسر الرَّاء فموحَّدةٍ، ووقعَ في فرعِ ((اليونينية)) ضبطهُ بكسر الظَّاء وسكونِ الرَّاء، الجبلُ الصَّغيرُ، مفرَدُ: الظِّرَابِ، وهي الرَّوابِي أيضاً، وقَد يجمعُ في القلَّةِ على أظرُبٍ، وقال الفرَّاءُ: الظرْب _بسكونِ الرَّاء_: الجبلُ المنبسِطُ أو الصَّغيرُ ليس بالعَالِي.
          وفي ((القاموس)): الظَّرِبُ ككَتِفٍ: ما نَتَأَ من الحجَارَةِ وحُدَّ طرَفُهُ، أو الجبَلُ المنبَسِطُ أو الصَّغيرُ، والجَمعُ: ظرَابٌ.
          (فَأَكَلَ مِنْهُ) أي: من الحُوتِ المذكُورِ (ذَلِكَ الْجَيْشُ) أي: الثَّلاثمَائةِ بعدَ أن توقَّفَ فيه أبُو عُبيدَةَ، وقال لأصحَابهِ: هو ميتَةٌ، ثمَّ قال: لا بل نحنُ رسُلُ رسُولِ اللهِ في سبيلِ اللهِ ╡ وقد اضطَرَرتُم فكُلُوا (ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) بإثباتِ التَّاءِ في ((عشرَةَ)) دونَ ((ثمان)) على القاعِدةِ، وفي بعض النُّسخِ بالعكسِ.
          وقالَ ابنُ الملقِّنِ: كذا في أصلِ الدِّميَاطيِّ: ((ثماني)) لكن مصلحاً، وقال ابنُ التِّينِ: إنَّه الصَّوابُ الَّذي في نسخَةِ الأصيليِّ، وجاءَ في روايةٍ: فأكَلنَا منها شَهراً، وفي أُخرى: نصفَ شهرٍ، وجمعَ عيَاضٌ بأنَّهُم أكلُوا منه نصفَ شهرٍ طريًّا وبقيِّتهُ قَدِيداً.
          وقال النَّوويُّ: من قال شَهراً فهو الأصلُ ومعهُ زيادَةُ علمٍ، ومَن روى دُونَهُ لم ينفِ الزِّيادَةَ ولو نفاهَا قدَّم المثبتَ، انتهى.
          ولمسلمٍ: فأقَمْنَا عليهِ شَهراً ولقد رأيتُنَا نغتَرِفُ من وقبِ عينِهِ وتزوَّدنَا من لحمِهِ وشَائقَ، فلمَّا قدِمنَا المدينَةَ أتَينَا رسُولَ اللهِ صلعم فذكَرنَا ذلكَ له فقالَ: ((هو رِزقٌ أخرجَهُ لكم، فهل معكُمْ من لحمِهِ شَيءٌ فتُطعِمُونَا)) قالَ: فأرسَلنَا إلى رسُولِ اللهِ صلعم منهُ فأكَلَهُ.
          والفِدَر _بكسرِ الفاءِ وفتح الدَّالِ المهملةِ فرَاء_، جمعُ: فدرَة، وهي القطعَةُ من اللَّحمِ، والوَشَائِق _بفتحِ الواو والشِّينِ المعجمةِ_ جمعُ: الوَشِيقَةِ، وهي اللَّحمُ القدِيدُ، وقيل: هي اللَّحمُ الَّذي يغلِي قليلاً فلم ينضُجْ ثمَّ يُؤخَذ للسَّفرِ.
          (ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ) ☺ (بِضِلَعَيْنِ) تثنيةُ: ضِلَع _بكسرِ الضَّادِ المعجمةِ وفتحِ اللامِ فيهمَا وسكُونِهَا_.
          قال في ((القاموس)): الضِّلَعُ كعِنَبٍ وجِذْعٍ معرُوفٌ مُؤَنَّثةٌ، والجمعُ: أضْلُعٌ وضُلُوعٌ وأَضْلاعٌ.
          (مِنْ أَضْلاَعِهِ) أي: الحوتُ (فَنُصِبَا) بالبناء للمفعول. قال القسطلانيُّ: استشكَلَ إسقَاطُ تاء التَّأنيثِ؛ لأنَّ الضِّلعِ مؤنَّثةٌ، وأجيب: بأنَّ تأنيثَها غيرُ حقيقيٍّ فيجُوزُ التَّذكيرُ، انتهى.
          وفيه: أنَّ الفَرقَ بين التَّأنيثِ الحقِيقيِّ والمجازِيِّ في جوَازِ التَّذكيرِ في الثَّاني عن الإسنَادِ إلى الظَّاهرِ لا إلى الضَّميرِ كما هنا وإلَّا فيتعيَّنُ التَّأنيثُ في النَّثرِ خلافاً لابنِ كَيسَان، فلعلَّ ما هنا على مذهبِهِ أو لتأوِيلِ ضلعَينِ بشَيئينِ، وفي بعضِ الأصُولِ: <فنصبتا> بالتَّاء فلا إشكَالَ، فافهَم.
          (ثُمَّ أَمَرَ) عطفٌ على ((أمر)) المبنِي للفاعلِ فيهما (بِرَاحِلَةٍ) بالحاءِ المهملةِ (فَرُحِلَتْ) بالبناءِ للمفعُولِ وتخفيفِ الحاءِ المهملةِ ويجوزُ تشديدُهُا (ثُمَّ مَرَّتْ) أي: الرَّاحلةُ (تَحْتَهُمَا) أي: الضِّلعَينِ (فَلَمْ تُصِبْهُمَا) أي: بعدَ نصبِهِما مضمُومتَينِ بجعلِ طرفِ أحدِهِما على طرَفِ الآخرِ، وفي نسخَةٍ: <تحتها فلم يصبْهَا> بالإفرَادِ فيهنَّ بإرجاعِ الضَّميرِ إلى الأضلاعِ، فتدبَّر.
          أي: لم تُصِبهُما من أعلاهُمَا أو من سائرِ الجوانِبِ لعِظمِهمَا، وفي روَايةٍ نسبَهَا الدَّميرِيُّ للبُخاريِّ، ولقَد أخذَ منَّا أبُو عُبيدةَ ثلاثَةَ عشَرَ رجُلاً فأقعَدَهُم في عينِهِ وأخذَ ضِلعاً من أضلاعِهَا فأقامَهُ، ثمَّ رحلَ أعظَمُ بعيرٍ معنَا فمرَّ من تحتهَا.
          وحدِيثُ البابِ أخرجَهُ المصنِّفُ في المغازِي والجهادِ أيضاً، / ومسلمٌ في الصَّيد، والتِّرمذيُّ وابنُ ماجه في الزُّهد، والنَّسائيُّ في الصَّيد والسِّير.