الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو

          2486- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ) بفتح العينِ المهملةِ واللام ممدُوداً؛ أي: ابن كُريبٍ الكوفيُّ، قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ) بفتحِ الحاءِ المهملةِ وتشديدِ الميمِ (ابْنُ أُسَامَةَ) أي: الكُوفيُّ (عَنْ بُرَيْدٍ) بضمِّ الموحدةِ مصغَّراً؛ أي: ابن عبدِ اللهِ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) هو جدُّ بُريدٍ، واسمهُ: الحارثُ، وقيل: عامرٌ، وقيل: اسمُهُ كنيَتهُ.
          (عَنْ أَبِي مُوسَى) أي: عبد الله بن قيسٍ الأشعرِيِّ، وهو والدُ أبِي بردَةَ، ففيهِ روايةُ الأبنَاءِ عن الآباءِ (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ) وفي بعضِ الأصُولِ: <رسول الله> (صلعم: إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ) بتشديد التَّحتيةِ، جمعُ: أشعرِيٍّ، نسبَة إلى: أشعَر، قبيلَةٌ من اليمَنِ، ويُروى أنَّ الأشعريِّينَ بدُون ياء نسبَةٍ جمعُ أشعَر، وتقولُ العربُ: جاءتكَ الأشعرُونَ بحذفِ الياءِ (إِذَا أَرْمَلُوا) بفتحِ الهمزةِ والميمِ؛ أي: الأشعريُّونَ (فِي الْغَزْوِ) أي: فَنيَ زادُهُم منَ الإرمَالِ، وهو فنَاءُ الزَّاد، وأصلُهُ: من الرَّملِ كأنَّهُم لُصِقُوا بالرَّملِ من القلَّةِ، كما قيلَ للفقيرِ: أترَبَ؛ أي: لصَقَ بالتُّرابِ، ومنه: أو مسكِيناً ذا مترَبَةٍ.
          (أَوْ قَلَّ) بفتحِ القافِ وتشديدِ اللامِ، و((أو)) للتَّنويعِ (طَعَامُ عِيَالِهِمْ) بكسرِ العينِ المهملةِ، جمعُ: عَيِّل _بفتحِ العينِ_ وتشديدِ / التَّحتيةِ المكسورةِ (بِالْمَدِينَةِ) أي: مدِينةِ رسُولِ اللهِ، وأصلُ الأشعريِّينَ منَ اليمنِ (جَمَعُوا) بتخفيفِ الميم ويجوزُ تشديدُهَا (مَا كَانَ عِنْدَهُمْ) أي: منَ الطَّعام (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) ولعلَّ حكمَةَ جمعهِ فيه حصولُ التَّبرُّك بجمعِ ذلكَ.
          (فَقسَمُوهُ) بتخفيفِ السِّين ويجوزُ تشديدُهَا بضميرِ النَّصبِ، وللحَمويِّ والمستَمليِّ بحذفِهِ (بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ) أي: الأشعريُّونَ (مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) الجملةُ الثَّانيةُ معطُوفةٌ على الأُولى أو حاليَّةٌ، و((من)) ابتدائيَّةٌ أو تبعيضيَّةٌ، وقالَ الكرمَانيُّ: وتبعُوهُ، ومِن هذهِ تُسمَّى: اتِّصاليَّةٌ؛ أي: متَّصلُونَ بي وأنا متَّصلٌ بهم كقولِهِ عليهِ السَّلام: ((لستُ من الدَّدِ ولا الدَّدُ منِّي)) و((الدَّدُ)) بدالينِ مهمَلتينِ بمعنَى: اللَّهو واللَّعب، وقالَ النَّوويُّ: المرادُ المبَالغةُ في اتِّحادِ طريقِهمَا واتِّفاقهمَا في طاعةِ اللهِ، انتهى.
          ويقرُبُ منه ما قيلَ المرادُ: فعَلوا فعلي في المواسَاةِ، وفي الحديثِ فضيلَةُ الأشعريِّينَ قبيلَةُ أبي موسَى، وفيهِ تحدُّثُ الرَّجلِ بمناقِبهِ، واستحبَابُ خَلطِ الزَّادِ سَفراً وحَضراً.
          قال في ((التوضيح)): وفيه جوازُ هبةِ المجهُولِ ومشهورُ مذهَبِ مالِكٍ جوازُهُ، انتهى.
          وتبعَهُ في الأوَّلِ في ((الفتح)) واعترَضَهُ العينيُّ بأنَّه ليس في الحديثِ ما يدُلُّ لهُ، إذ ليسَ فيهِ إلَّا مواسَاةُ بعضِهِم بعضاً وهذا إباحَةٌ لا هبةٌ كما عُرِفَ في موضعِهِ، انتهى.
          وقد يقالُ هي في معنَى الهبةِ، فتدبَّر.
          ومطَابقةُ الحديثِ للتَّرجمةِ ظاهِرةٌ من قولِهِ: ((جمَعُوا... إلخ)).
          وأخرجَهُ مسلمٌ في الفضَائلِ، والنَّسائيُّ في السِّير.