الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا صلى قاعدًا ثم صح أو وجد خفة تمم ما بقي

          ░20▒ (بَابٌ: إِذَا صَلَّى): أي: شرع العاجزُ عن القيام في الصَّلاة فرضاً كانت / أو نفلاً (قَاعِداً، ثُمَّ صَحَّ): أي: عُوفي في أثناء صلاته (أَوْ وَجَدَ خِفَّةً): بكسر الخاء المعجمة؛ أي: نشاطاً مِن مرضه بحيث يقدر على القيام بلا مشقَّةٍ (تَمَّمَ): بثلاثٍ، ماضٍ مبنيٌّ للفاعل، وللكشميهنيِّ: <يتمُّ> مضارع أتمَّ _مشدَّد الميم_ وللأصيليِّ: <يتمَّم> مضارع تمَّم _بثلاث ميماتٍ_ أي: يُكمِل (مَا بَقِيَ): أي: من صلاته قائماً بناءً على ما صلَّى قاعداً، ولا يلزمه أن يستأنفها، بل يستحبُّ.
          وفي هذه التَّرجمة كما في ((الفتح)) إشارةٌ إلى الرَّدِّ على مَن قال: مَن افتتح الفريضة قاعداً لعجزه عن القيام ثمَّ أطاقه وجب عليه الاستئناف، وهو محكيٌّ عن محمَّد بن الحسن، ولم يطَّلع عليه ابن المنيِّرِ، فقال: أراد البخاريُّ بهذه التَّرجمة رفع خيال مَن تخيَّل أنَّ الصَّلاة لا تتبعَّض، فيجبُ الاستئناف على مَن صلَّى قاعداً ثمَّ استطاع القيام.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ): أي: البصريُّ، قال في ((الفتح)): وصله ابن أبي شيبةَ بمعناه، واعترضه العينيُّ: بأنَّه ليس بمعناه، فإنَّ لفظه: يصلِّي المريض على الحالة الَّتي هو عليها، وكذا وصله التِّرمذيُّ عنه بلفظ: ((إن شاءَ الرَّجل صلَّى صلاةَ التَّطوُّع قائماً وجالساً ومضطجعاً)).
          (إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى): أي: الفرض الرُّباعيَّ (رَكْعَتَيْنِ قَائِماً وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِداً): ولأبي ذرٍّ: <صلَّى ركعتين قاعداً وركعتين قائماً>، ومثل الرُّباعيِّ الثُّنائيُّ أو الثُّلاثيُّ، فإن شاء صلَّى الأوَّل ركعةً قائماً وركعةً قاعداً، وصلَّى الثَّاني ركعتين قائماً وركعةً قاعداً أو بالعكس، واعترض ابن التِّين: بأنَّه لا وجه للمشيئة هنا؛ لأنَّ القيام لا يسقط عمَّن قدر عليه، إلَّا إن كان يريد بقوله: ((إن شاء)) أي: بكلفةٍ كثيرةٍ. انتهى، ويظهر لي أنَّ مراده: أنَّ مَن افتتح الصَّلاة قاعداً ثمَّ استطاع القيام كان له إتمامها قائماً إن شاء بأن يبني على ما صلَّى، وإن شاء استأنفها، فاقتضَى ذلك جواز البناء، وهو قولُ الجمهور، ثمَّ قال: واستدلَّ به على أنَّ مَن افتتحَ صلاته مضطجعاً ثمَّ استطاع الجلوس أو القيام أتمَّها على ما أدَّت إليه حاله، وقال العينيُّ: جوازُ ذلك مذهب أبي حنيفة ومالكٍ والشَّافعيِّ وعامَّة العلماء.
          والحاصل: أنَّه متى قدر في أثناء صَلاته على أكملِ ما هو فيه لزمه وبنى، ولا يلزمه استئنافها، لكن يستحبُّ له إعادتها لتقع حال الكمال، ومثل القدرة على الكمالِ العجز عنه، قال ابن بطَّالٍ: طريان العجز بعد القُدرة كطريان القدرةِ بعد العجز. انتهى، فيبني على ما هو فيه بالأولى؛ لأنَّه أكمل ممَّا صار إليه، فتجبُ عليه القراءة في الهويِّ إلى القعود مثلاً.