الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها

          ░12▒ (بَابُ مَنْ تَطَوَّعَ): بتشديد الواو (فِي السَّفَرِ، فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا): بالنَّصب عطفٌ على محلِّ ((في غير))، وبالجرِّ عطفٌ على ((غير))، فتدبَّر، وسقط: <وقبلها> في نسخٍ، وسقط لأبي الوقت والأصيليِّ وابن عساكر: <في غير>...إلخ.
          ويرجِّح الإعراب الأوَّل / قول ((الفتح)): هذا مشعرٌ بأنَّ نفي التَّطوُّع في السَّفر محمولٌ على ما بعد الصَّلاة خاصَّةً، فلا يتناول ما قبلها، ولا ما لا تعلُّق له بها من النَّوافل المطلقة، كالتَّهجُّد والوتر والضُّحى وغير ذلك، والفرق بين ما قبلها وما بعدها: أنَّ التَّطوُّع قبلها لا يظنُّ أنَّه منها؛ لأنَّه ينفصلُ عنها بالإقامة وانتظار الإمام ونحو ذلك، بخلاف ما بعدها، فإنَّه في الغالبِ يتَّصلُ بها، فقد يظنُّ أنَّه منها. انتهى، وهو كلامٌ ظاهرٌ سِوى التَّمثيل بالوتر، فتأمَّل.
          تنبيهٌ: قال البرماويُّ تبعاً للكرمانيِّ: هذه أخصُّ مِن التَّرجمة الَّتي قبلها؛ لأنَّ تلك في دبرها وقبلها. انتهى، فليُتأمَّل.
          وعكس العينيُّ فقال: هذا أعمُّ ممَّا قبله؛ لأنَّ ذاك مقيَّدٌ بالدُّبر. انتهى.
          وإلى هذا يشير كلام ((الفتح)) الَّذي نقلنا آنفاً، لكن ما قالوه لا يظهر على وجود: ((وقبلها)) في الموضعين، وعلى النُّسخ الواقعة للأكثر إثبات: ((وقبلها)) في الأولى، وحذفها في الثَّانية، وللآخرين بالعكس، فلذا قال كلَّ ما قال، والَّذي يظهر أنَّ التَّغايرَ بينهما بالنَّفي والإثبات، فتدبَّر.
          (وَرَكَعَ): أي: صلَّى (النَّبِيُّ صلعم رَكْعَتَي الْفَجْرِ): أي: سنَّته (فِي السَّفَرِ): ولأبي ذرٍّ تقديم: <في السَّفر> على: <ركعتي الفجر>، وهذا التَّعليق وصله مسلمٌ عن أبي قتادة في قصَّة النَّوم عن صلاة الصُّبح وفيها: ((ثمَّ صلَّى ركعتين قبل الصُّبح ثمَّ صلَّى الصُّبح كما كان يصلِّي))، وكذا وصله مسلمٌ عن أبي هريرة فيها بنحوه، ورواه ابن خزيمة والدَّارقطنيُّ مِن طريق سعيد بن المسيَّب عن بلالٍ في هذه القصَّة: فأمر بلالاً فأذَّن، ثمَّ توضَّأ فصلَّوا ركعتين ثمَّ صلَّوا الغداة.
          وقال صاحب ((الهدي)): لم يُحفظ عن النبيِّ أنَّه صلَّى سنَّة الصَّلاة قبلها ولا بعدها في السَّفر إلَّا ما كان مِن سنَّة الفجر، وتعقَّبه في ((الفتح)) فقال: يرِدُ على إطلاقِه ما رواه أبو داود والتِّرمذيُّ مِن حديث البراء بن عازبٍ أنَّه قال: سافرت مع النبيِّ ثمانية عشر سفراً فلم أرَه ترك ركعتين إذا زاغت الشَّمس، وكأنَّه لم يثبت عنده، والتِّرمذيُّ وإن استغربه لكنَّه نقل عن البخاريِّ أنَّه رآه حسناً، وقد حمله بعضُ العلماء على سنَّةِ الزَّوال لا على الرَّاتبة قبل الظُّهر.