الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: كم أقام النبي في حجته؟

          ░3▒ (بَابٌ: كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ صلعم): أي: بمكَّة شرَّفها الله (فِي حَجَّتِهِ): بفتح الحاء وكسرها؛ أي: من يوم قدومه إلى مكَّة إلى يوم خروجه منها.
          قال في ((الفتح)): المقصود بهذه التَّرجمة بيان ما تقدَّم مِن أنَّ المحقَّق فيه نيَّة الإقامة هي مدَّة المقام بمكَّة قبل الخروج إلى منًى ثمَّ إلى عرفة، وهي أربعة أيَّامٍ ملفَّقةٌ؛ لأنَّه قدم في الرابع وخرج في الثَّامن فصلَّى بها إحدى وعشرين صلاةً، مِن أوَّل ظهر الرَّابع إلى آخر ظهر الثَّامن، وقيل: أراد مدَّة إقامته إلى أن توجَّه إلى المدينة، وهي عشرةٌ كما في حديث أنسٍ. انتهى.
          يعني: فعلى الأوَّل مطابق التَّرجمة بناءً على أنَّ المراد بها: بيان ما يحصل به الإقامة، ولذلك قال شيخ الإسلام _وتبعه القسطلانيُّ_: وهذا موضع التَّرجمة، وأمَّا على الثَّاني فلا يطابق.
          وأقولُ: لا يتعيَّن في التَّرجمة حملها على ما ذُكِر، بل يجوز حملها على بيان الاختلاف في إقامته مطلقاً، سواءٌ كانت أربعاً _وهي أقلُّ ما يقطع السَّفر عند الشافعيِّ وكثيرين_ أو عشرة أيَّامٍ، ونقله العينيُّ وغيره عن عليِّ بن أبي طالبٍ وعن الحسن بن صالحٍ وأحمد بن عليِّ بن حسينٍ، بل يجوز حملُها على غير ذلك من الأقوال الاثنين والعشرين ممَّا يمكنُ مجيئه هاهنا ككونها تسعةَ عشر أو خمسة عشر، ونقلها العينيُّ في أوَّل أبواب القصر، وستأتي _إن شاء الله_ وحديث الباب يحتمل الأمرين، كما قرَّره القسطلانيُّ وغيره.