نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أوفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم

          2468- (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) أي: ابنُ سعد (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزهريِّ، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بتصغير الابن وتكبير الأب (ابْنِ أَبِي ثَوْرٍ) بالمثلثة المفتوحة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) / قال الحافظ الدِّمياطي: قال الخطيب في «تكملته»: لا أعلم رَوىَ عن عبيد الله هذا إلَّا الزهري، ولا أعلمه حدَّث عن غير ابن عبَّاسٍ ☻ (قَالَ) أي: أنَّه قال (لَمْ أَزَلْ حَرِيصاً عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ ☺ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4]) خطابٌ لعائشة وحفصة ☻ على الالتفات للمبالغة في المعاتبة، وذلك لأنَّ ما قبل هذه الآية مسوقةٌ على طريقة الغَيْبة حيث قال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم:3] يعني: حفصة ♦ {حَدِيثاً} تحريم مارية، أو العسل، أو أنَّ الخلافة بعده لأبي بكر وعمر ☻ .
          رُوي أنَّه صلعم خلا بمارية في يوم عائشة ♦، وعلمت بذلك حفصة ♦ فقال لها: اكتمي عليَّ فقد حرَّمت مارية على نفسي، وأبشِّرك أنَّ أبا بكر وعمر يملكان بعدي أمر أمَّتي، فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين.
          وقيل: خلا بها في يوم حفصة فأرضاها بذلك، واستكتمها فلم تكتم، فطلَّقها واعتزل نساءه، فنزل جبريل ◙، فقال: راجعها، فإنَّها صوَّامةٌ قوَّامة، وإنَّها لمن نسائك في الجنَّة.
          ورُوي أنَّه صلعم شرب في بيتِ زينب بنت جحش عسلاً فتواطأت عائشة وحفصة ☻ فقالتا: نشمُّ منك ريح المغافير، وكان رسول الله صلعم يكره التَّفل فحرَّم العسل، فنزلت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] الآية، فمعناه: مِنْ ملك اليمين أو من العسل.
          والمغافير جمع: مُغفور _بضم الميم_ شيءٌ ينضحه العُرفُط من العضاه، وله رائحةٌ كريهة، وقيل: العرفط: هو الصَّمغ، والمغفور شوكٌ له نَوْر يأكل منه النَّحل يظهر العرفط عليه، والله أعلم.
          {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} أي: فلمَّا أخبرت حفصة عائشة بالحديث {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} واطْلَعَ النَّبي صلعم على الحديث؛ أي: على إفشائه {عَرَّفَ بَعْضَهُ} عرَّف الرَّسول حفصة بعض ما فعلت {وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} عن إعلام بعض تكرُّماً، أو جازاها على بعضه بتطليقه / إيَّاها وتجاوز عن بعضٍ.
          ويؤيِّده قراءة الكسائي بالتَّخفيف، فإنَّه لا يحتمل هاهنا غيره لكن المشدَّد من باب إطلاق اسم المسبِّب للسبب، والمخفَّفُ بالعكس، ويؤيِّد الأوَّل قوله: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3] فإنَّه أَوْفَقُ للإعلام {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فقد وجد منكما ما يوجب التَّوبة، وهو ميلُ قلوبكما عن الواجب من مخالصةِ الرسول بحبِّ ما يحبُّه وكراهةِ ما يكرهه.
          {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي: وإن تتظاهرا عليه بما يسوؤه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} فلن يُعدَم من يُظاهره من الله تعالى والملائكة وصُلحاء المؤمنين، فإنَّ الله ناصره وجبريل رئيس الكروبيين قرينه، ومن صلح من المؤمنين أتباعه وأعوانه {وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] متظاهرون، والمعنى: فوجٌ ظهيرٌ له، وتخصيص جبريل لتعظيمه، والمراد بالصَّالح: الجنس، ولذلك عمَّ بالإضافة، وفي قوله {بعد ذلك}: تعظيمٌ لمظاهرة الملائكة من جملة ما ينصره الله به.
          (فَحَجَجْتُ مَعَهُ فَعَدَلَ) أي: عن الطَّريق (وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ) بكسر الهمزة، وهي إناءٌ صغيرٌ من جلد يُتَّخذ للماء كالسَّطيحة ونحوها، ويُجمع على إداوى (فَتَبَرَّزَ) خرج إلى البَرَاز؛ أي: إلى الفضاء لقضاء الحاجة (حَتَّى جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4] فَقَالَ: وَاعَجَبا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ) بالألف في آخره، ويروى: <واعجباً> بالتنوين، نحو يا رجلاً كأنَّه يندب على التعجُّب، وهو إما تعجُّب من جهله بذلك، وهو كان مشهوراً بينهم بعلم التَّفسير، وإمَّا من حرصه على سؤاله عما ما لا يتنبَّه له إلَّا الحريص على العلم من تفسير ما لا حكم فيه من القرآن حتى في تسمية من أُبهم فيه، وهو حجَّةٌ ظاهرةٌ في السُّؤال عن تسمية من أُبْهم.
          وقال ابن مالك: وإن في قوله: «واعجبا» اسم فعلٍ إذا نُوِّن، عجباً بمعنى أعجب، ومثله: وي.
          وجيء بعده بقوله: «عجباً» توكيداً، وإذا لم ينوَّن / فالأصل فيه: «واعجبي»، فأبدلت الياء ألفاً، وفيه شاهدٌ على استعمال «وا» في غير النُّدبة، كما هو رأي المبرِّد. وقال في «الكشاف»: قاله تعجُّباً كأنَّه كره ما سأله عنه.
          (عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ) أي: المرأتان اللَّتان قال الله تعالى لهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} الآية هما عائشة وحفصة ☻ (ثُمَّ اسْتَقْبَلَ) أي: توجَّه واستأنف (عُمَرُ ☺ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ) جملة حاليَّة.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: وأظنُّ البخاريَّ تأسَّى بعمر ☺ حيث ساق الحديث بتمامه، وكان يكفيهِ في جواب سؤال ابن عبَّاس ☻ أن يقول: عائشة وحفصة، كما كان يكفي البخاري أن يقول مثلاً: ودخل النَّبي صلعم مشربةً له فاعتزل فيها كما جرت به عادته.
          (فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ) «جارٌ» مرفوع على أنه عطفٌ على الضَّمير المرفوع في «كنت» على مذهب الكوفيين، وفي روايته في باب «التناوب في العلم» [خ¦89] كنت أنا وجارٌ لي. بإظهار «أنا» على ما اشترطه البصريُّون.
          قال الكرمانيُّ: «وجاراً» بالنصب على الأصحِّ، وقال الحافظ العسقلانيُّ: ويجوز النصب، فافهم.
          وكلمة «من» بيانية، والمراد من هذا الجار، هو عتبان بن مالك بن عَمرو العجلانيُّ الأنصاريُّ الخزرجيُّ.
          (فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ) بضم الهمزة وتخفيف الميم، وهو في محلِّ الجرِّ على الوصفية؛ أي: الكائنين في بني أميَّة بن زيدٍ أو المستقرين (وَهْيَ) أي: أمكنة بني أميَّة (مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ) وهي القرى بقرب المدينة.
          وقال ابنُ الأثير: العوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة، والنِّسبة إليها علوي على غير قياس، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجدٍ ثمانية.
          (وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم فَيَنْزِلُ) الفاء فيه تفسيرية تفسِّر التناوب المذكور (يَوْماً وَأَنْزِلُ يَوْماً، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ) أي: الوحي واللام للعهد أو الأوامر الشرعيَّة (وَغَيْرِهِ) أي: وغير الأمر من أخبار الدنيا (وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ) أي: جمع قريش (نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ) كلمة إذا للمفاجأة، والمعنى: فلمَّا قدمنا على الأنصار فاجأناهم يغلبهم نساؤهم، وليست لهم شدَّة وطأةٍ عليهنَّ.
          (فَطَفِقَ) بكسر / الفاء (نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ) والمعنى: أخذنَ وشرعنَ في الأخذ من حالهنَّ، و«طفق» من أفعال المقاربة، كما في قوله تعالى: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا} [الأعراف:22] ؛ أي: أخذا في ذلك (فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي) أي: ردَّت عليَّ الجواب (فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلعم لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ) أي: إلى اللَّيل (فَأَفْزَعَنِي) أي: كلامها، ويُروى: <فأفزعتني> أي: المرأة (فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ) ويروى: <فعلت> نظراً إلى اللَّفظ والمعنى (مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ) متعلِّق بـ«خابت»، وفي بعض النسخ: <لعظيم> باللام (ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي) أي: لبستها (فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ) يعني: ابنته أمَّ المؤمنين ♦.
          (فَقُلْتُ: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ صلعم فَتَهْلِكِينَ) القياس فيه: فتهلكي، بحذف النون، وتأويله: فأنت تهلكين (لاَ تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ) أي: ما ظهر لك من الضَّرورات (وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ) أي: بأن كانت، وكلمة «أن» مصدريَّة (جَارَتُكِ) أي: ضرَّتك (هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ) من الوضاءة؛ أي: أجمل وأنظف، ويُروى: <أضوء منك>؛ أي: أزهر وأحسن.
          (وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم يُرِيدُ) أي: عمر ☺ (عَائِشَةَ) ♦ (وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ) على وزن فعَّال بالتشديد، اسم ماءٍ من جهة الشَّام، نزل عليه قومٌ من الأزد، فنُسِبوا إليهم منهم بنو جفنة رهط الملوك، ويُقال: هو اسمُ قبيلة.
          (تُنْعِلُ النِّعَالَ) بضم المثناة الفوقية وسكون النون، من أفعال الدَّواب، وأصله: تنعل الدَّواب النعال؛ لأنَّه يتعدَّى إلى المفعولين فحذف أحدهما، وذلك لأنَّ النعال / لا تُنعل، ويروى: <تنعل البِغال> بالموحدة والغين المعجمة، وفي رواية: <تنعل الخيل>.
          (لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ عِشَاءً) نصب على الظرف؛ أي: في وقت العشاء (فَضَرَبَ بَابِي) فيه حذف؛ أي: فسمع اعتزال الرَّسول صلعم زوجاته فرجع إلى العوالي، فجاء إلى بابي فضرب بابي، فالفاء فيه تسمَّى فصيحة؛ لأنَّها تفصح عن مقدَّر.
          (ضَرْباً شَدِيداً، وَقَالَ: أَنَائِمٌ) بهمزة الاستفهام على سبيلِ الاستخبار (هُوَ؟ فَفَزِعْتُ) أي: فخِفْتُ، والفاء للتعليل؛ أي: لأجل الضَّرب الشَّديد فزعت (فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ فقُلْتُ: مَا هُوَ أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لاَ بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ، قَالَ: طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم نِسَاءَهُ، قَالَ) أي: عمر ☺ (قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ، كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ) أي: يقرب كونه، وهو من أفعال المقاربة، يُقال: أوشك يوشك إيشاكاً فهو موشك.
          (فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَدَخَلَ مَشْرُبَةً) بفتح الميم وإسكان الشين المعجمة وضم الراء وفتحها، هي الغرفة. وقال ابن فارس: عن ابن قتيبة: هي كالصفَّة بين يدي الغرفة، وقال الداوديُّ: هي الغرفة الصَّغيرة.
          وقال ابن بطَّال: المشربة: الخِزَانة التي يكون فيها طعامه وشرابه، وقيل لها: مشربة فيما أرى؛ لأنهم كانوا يخزنون فيها شرابهم، كما قيل للمكان الذي تطلع عليه الشمس ويشرق فيه صاحبه: مشرقة.
          والمِشربة _بكسر الميم_: آلة الشرب، والمَشرَبة _بفتح الميم وفتح الراء_: الموضع الذي يُشرب منه كالمشرعة.
          (لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، قُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ أَوَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ، أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي هُوَ ذَا فِي الْمَشْرُبَةِ، فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ) أي: جماعةٌ دون العشرة (يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ أَسْوَدَ) قيل: اسمه رَبَاح، بفتح الراء وتخفيف الموحَّدة وبالحاء المهملة.
          (اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، / فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ صلعم ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ) وفي نسخة زيادة قوله: <فقلت للغلام> (فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلاَمَ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفاً فَإِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي قَالَ: أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ) بالإضافة، والرِّمال _بكسر الراء ويجوز ضمها_، وقال الكرمانيُّ: الرُّمَال _بضم الراء وخفة الميم_ المرمول؛ أي: المنسوج.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: يُقال: رَمَلَ الحصيرَ إذا نسجهُ، وقال الخطابيُّ: والمراد: ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب المنسوج. وقال أبو عبيد: رملت وأرملت؛ أي: نسجتُ، وقال ابن الأثير: الرمال ما رُمل؛ أي: نُسِج، يُقال: رمل الحصير وأرمله، فهو مرمولٌ ومرمل ورمَّلته بالتشديد للتَّكثير، ويقال: الرمال جمع: رمل، بمعنى مَرْمول، كالخلق بمعنى المخلوق، والمراد أنَّه: كأنَّ السَّرير قد نَسَجَ وجهه بالسَّعف، ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير، كما قال:
          (لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) أي: ليس بين النَّبي صلعم والحصير (فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئٌ) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو متَّكئ (عَلَى وِسَادَةٍ) بكسر الواو؛ أي: مخدَّة (مِنْ أَدَمٍ) بفتحتين، وهو اسمٌ لجمع أديم، وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدِّباغ.
          (حَشْوُهَا لِيفٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟) بحذف همزة الاستفهام؛ أي: أَطلَّقت (فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: لاَ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي) أي: أتبصَّر هل يعود رسول الله صلعم إلى الرِّضا، أو هل أقول قولاً أُطيِّب به وقته، وأزيلُ به غضبه، قاله الكرماني، وقال الحافظ العسقلانيُّ: أي: أقول قولاً أستكشفُه به هل ينبسط إليَّ أم لا، ويكون أوَّل كلامه: «يا رسول الله لو رأيتني». ويحتمل أن يكون استفهاماً بحذف الأداة؛ أي: أستأنس يا رسول الله، ويكون / أوَّل الكلام الثاني: «لو رأيتني»، وجواب الاستفهام محذوفٌ، واكتفى فيما أراد بقرينة الحال.
          (وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَذَكَرَهُ) أي: ما ذكره أوَّلاً (فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلعم ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صلعم _يُرِيدُ عَائِشَةَ_ فَتَبَسَّمَ أُخْرَى، فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئاً يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ) الأَهَبَة: بالفتحات، جمع: إهاب على غير القياس، والإهاب الجلد الذي لم يُدبغ، والقياس أن يجمعَ الإهاب على أُهُب، بضمتين.
          (فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ) هذه الفاء للعطف؛ لأنَّه لا يصلح أن يكون جواباً للأمر؛ لأنَّ مقتضى الظَّاهر أن يُقال: ادع الله أن يوسِّع، وتقدير الكلام هكذا، وقوله: «فليوسِّع» عطف عليه للتَّأكيد، كذا قال العيني، فليتدبَّر.
          (فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَقَامَ فَقَالَ) صلعم : (أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ) قال العينيُّ _تبعاً للكرماني_: والمشكوك هو المذكور بعده، وهو تعجيل الطِّيبات يعني: قوله صلعم : (أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي) وإنما طلب الاستغفار لجراءته على مثل هذا الكلام في حضرةِ رسول الله صلعم ، ولاستعظامه التجمُّلات الدُّنياوية (فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صلعم ) ابتداءُ كلامٍ من عمر ☺ بعد فراغه من كلامه الأوَّل، فلذلك عطفه بالفاء (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ) ☻ ؛ أي: اعتزاله إنما كان من أجل إفشاء ذلك الحديث، وهو ما رُوِي أنَّ رسول الله صلعم خلا بمارية في يوم عائشة، وعلمت بذلك / حفصة، فقال لها النَّبي صلعم : ((اكتمي عليَّ، وقد حرَّمت مارية على نفسي)) فأفشت حفصة إلى عائشة ☻ ، حتَّى حلف صلعم لا يقربهنَّ شهراً، وهو معنى قوله:
          (وَكَانَ قَدْ قَالَ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْراً مِنْ شِدَّةِ مَوْجَدَتِهِ) هو مصدر ميميٌّ من وَجَد يَجِد وَجْداً ومَوْجدة؛ أي: من شدَّة غضبه (عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ) بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] (فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ) ♦ (فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ) ♦: (إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْراً، وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً) باللام في رواية الكشميهنيِّ، وفي رواية غيره: <بتسع> بالباء الموحدة (أَعُدُّهَا عَدّاً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) أي: الشَّهر الذي آليتُ فيه تسع وعشرون، وأشار به إلى أنَّه كان ناقصاً يوماً (وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعَاً وَعِشْرُونَ) ويروى: <تسع وعشرون> على أن «كان» تامة، و«تسع» بالرفع بدل من «الشهر»، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو تسعٌ وعشرون.
          (قَالَتْ عَائِشَةُ) ♦: (فَأُنْزِلَتْ التَّخْيِيرِ) أي: آية التَّخيير، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلى قوله: {أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28-29].
          واختلف العلماء هل خيَّرهنَّ في الطلاق أو بين الدنيا والآخرة، قال القرطبيُّ: اختلف العلماء في كيفيَّة تخيير النَّبي صلعم أزواجه على قولين:
          الأوَّل: أنَّه صلعم خيَّرهنَّ بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجيَّة أو الطلاق، فاخترن البقاء.
          الثاني: أنَّه خيَّرهنَّ بين الدُّنيا فيفارقهنَّ، أو بين الآخرة فيمسكهنَّ، ذكره الحسن وقتادة، ومن الصَّحابة علي بن أبي طالبٍ ☺، رواه أحمدُ بن حنبل عنه أنَّه قال: لم يخيِّر رسول الله صلعم نساءه إلَّا بين الدنيا والآخرة، وقالت عائشة ♦: خيَّرهنَّ بين الطَّلاق والمقام معه، وبه قال مجاهد والشَّعبي ومقاتل، / واختلفوا في سببه فقيل: لأنَّ الله خيَّره بين ملك الدُّنيا ونعيم الآخرة، فاختار الآخرة على الدنيا، فلمَّا اختار ذلك أمر الله بتخيير نسائه ليكنَّ على مثله، وقيل: لأنهنَّ تغايرن عليه فآلى منهنَّ شهراً.
          وقيل: لأنهنَّ اجتمعن يوماً فقلنَ: نريد ما تريد النِّساء من الحليِّ، حتى قال بعضهنَّ: لو كنَّا عند غير النَّبي صلعم إذَنْ لكان لنا شأنٌ وثياب وحلي.
          وقيل: لأنَّ كلَّ واحدةٍ طلبت منه شيئاً وكان غير مستطيعٍ، فطلبت أمُّ سلمة معلماً، وميمونة حلَّة يمانية، وزينب ثوباً مخططاً، وهو البرد اليماني، وأم حبيبة ثوباً سحوليًّا، وحفصة ثوباً من ثياب مصر، وجويرية معجراً، وسودة قطيفة خيبرية، إلَّا عائشة ♦ فلم تطلب شيئاً.
          وقيل: لأنَّ الله تعالى صان خلوة نبيِّه صلعم فخيَّرهنَّ على أن لا يتزوَّجن بعده، فلمَّا أَجَبن إلى ذلك أمسكهنَّ، وكانت تحته صلعم تسع نسوةٍ خمسٌ من قريش: عائشة، وحفصة بنت عمر، وأمُّ حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي الحارث الهلالية. وأربع من غير قريش: صفية بنت حيي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث [الهلالية]، وزينب بنت جحش الأسديَّة، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
          قالت عائشة ♦:
          (فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ، فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً وَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي) أي: لا بأس عليك في عدم التَّعجيل، ويمكن أن تكون كلمة «لا» زائدة؛ أي: ليس عليك التَّعجيل (حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ: قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِكَ، ثُمَّ قَالَ) صلعم : (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}) السَّعة والتنعُّم فيها ({وَزِينَتَهَا}) وزخارفها ({فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ}) أُعْطكنَّ المتعة ({وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}) طلاقاً من غير ضرارٍ وبدعةٍ ({وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ}) أي: الجنَّة / ({فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28-29]) يُستَحقر دونها الدُّنيا وزينتها، و«من» للتَّبيين؛ لأنهنَّ كلهنَّ كنَّ محسنات، رُوِي أنهنَّ سألته ثياب الزِّينة وزيادة النَّفقة وآذينه بالغيرة، فغمَّ ذلك النَّبي صلعم فهجرهنَّ، وآلى أن لا يقربهنَّ شهراً ولم يخرج إلى أصحابه صلوات فقالوا: ما شأنه؟ قال عمر ☺: إن شئتُم لأعلمنَّ لكم ما شأنه، فأتى النَّبي صلعم فجرى ما ذكر في الحديث، فأنزل الله تعالى هذه الآية بالتَّخيير فبدأَ رسول الله صلعم بعائشة ♦ وكانت أحبَّهنَّ إليه، فخيَّرها وقرأ عليها القرآن، فاختارتْ الله ورسوله والدَّار الآخرة، فرئي الفرح في وجه رسول الله صلعم ، ثمَّ اختارت الباقيات اختيارها.
          وقال قتادة: فلمَّا اخترنَ الله ورسوله شكر لهنَّ الله على ذلك وقصره عليهنَّ، فأنزل: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب:52] الآية.
          وتعليق التَّسريح بإرادتهنَّ الدنيا وجعلها قسيماً لإرادتهنَّ الرسول يدلُّ على أنَّ المخيَّرة إذا اختارت زوجها لم تطلَّق خلافاً لزيد والحسن ومالك وإحدى الرِّوايتين عن عليٍّ ☺، ويؤيِّده قول عائشة ♦ خيَّرنا رسول الله صلعم فاخترناهُ ولم يعدَّ طلاقاً.
          وتقديم التَّمتيع على التَّسريح المسبَّب عنه من الكرم وحُسن الخلق، وقيل: لأنَّ الفرقة كانت بإرادتهنَّ كاختيار المخيرة نفسها، فإنه طلقة رجعيَّة عند الشافعية، وبائنة عند الحنفية والله أعلم، وفي أكثر نسخ «صحيح البخاري» وقع هكذا <ثمَّ قال: إنَّ الله تبارك وتعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} إلى {عَظِيماً}> [الأحزاب:28-29].
          (قُلْتُ) أي: قالت عائشة ♦: قلت: (أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ) ♦.
          وفي الحديث: أنَّ المحدث قد يأتي بالحديث على وجهه ولا يختصره، مع أنَّه يكفي أن يُقال حين سأل ابن عبَّاس ☻ : هما عائشة وحفصة ☻ . /
          وفيه: موعظة الرَّجل ابنته وإصلاح خلقها لزوجها، وفيه: الحزنُ والبكاء لأمور رسول الله صلعم وما يكرهه، والاهتمام بما يهمُّه، وفيه: الاستئذان والحجابة للنَّاس كلهم، كان مع المستأذن عيال أو لا، وفيه: الانصراف من غير صرفٍ من المستأذَن عليه. ومن هذا قال بعض العلماء: إنَّ السُّكوت يُحكَم به، كما حكم عمر ☺ بسكوت رسول الله صلعم عن صرفه إيَّاه.
          وفيه: التَّكرير بالاستئذان، وفيه: أنَّ للسُّلطان أن يأذن أو يسكت أو يصرف، وفيه: أنَّه يُسأل السُّلطان عن فعله إذا كان ذلك ممَّا يهمُّ أهل طاعته، وفيه: قوله صلعم لعمر ☺: «لا» ردًّا لما أخبر به الأنصاري من طلاق نسائه، ولم يخبر عمر ☺ بما أخبره به الأنصاري، ولا شكاه لعلمه أنَّه لم يقصد الإخبار بخلاف القصَّة، وإنما هو وهمٌ جرى عليه.
          وفيه: الجلوس بين يدي السُّلطان، وإن لم يأمره به إذا استؤنس منه إلى انبساط خلق، وفيه: تقلُّل النَّبي صلعم من الدُّنيا وصبره على مضضِ ذلك، وفيه: أنَّ أحداً لا يجوز أن يسخط حاله ولا يستحقر ما قسم الله له من نعمهِ التي عنده، ولا سابق قضائه؛ لأنَّه يخاف عليه من ضعف اليقين، وفيه: أنَّ التقلُّل من الدُّنيا لرفع طيِّباتها إلى دار البقاء خيرٌ من أن يعجِّلها في الدار الفانية، والمعجَّل لها أقرب إلى السفه، وفيه: الاستغفار من السَّخط وقلَّة الرِّضا.
          وفيه: السُّؤال من الشارع الاستغفار، ولذلك يستحبُّ أن يسأل أهل الفضل والخير الدعاء والاستغفار، وفيه: أن المرأة تعاتب على إفشاء سرِّ زوجها، وعلى التحيُّل عليه بالأذى بالتَّوبيخ لها بالقول، كما وبَّخ الله تعالى أزواج نبيِّه على تظاهرهما وإفشاء سرِّه، وعاتبهنَّ الشَّارع بالإيلاء والاعتزال والهجران، كما قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34].
          وفيه: أنَّ الشهر يكون تسعةً وعشرين يوماً، وفيه: أنَّ المرأة الرشيدة لا بأس أن تشاور أبويها، أو ذوي الرَّأي من أهلها في أمر نفسها التي هي أحقُّ بها من وليِّها، وهي في المال أولى بالمشاورة لا على أنَّ المشاورة لازمةٌ لها إذا كانت رشيدة كعائشة ♦، وفيه: جواز ذكر العمل الصالح، وهو في قول / ابن عبَّاس ☻ فحججتُ معه؛ أي: مع عمر ☺، وفيه: الاستعانة في الوضوء إذ هو الظَّاهر من قوله: فتوضأ.
          وقال ابن التِّين: ويحتمل الاستنجاء، وذلك أن يصبَّ الماء في يده اليمنى ثمَّ يرسله حيث شاء.
          وفيه: التَّخيير، وقد استعمل السَّلف الاختيار فيما بعده فعند الشَّافعي أنَّ المرأة إذا اختارت نفسها فواحدة، وهو قول عائشة ♦، وعمر بن عبد العزيز.
          وذكر عن علي ☺ أنَّها إذا اختارت نفسها فثلاث. وقال طاوس: نفس الاختيار لا يكون طلاقاً حتَّى يوقعه. وقال الإمام الرازي الجصَّاص: اختلف السَّلف فيمن خيَّر امرأته، فقال عليٌّ ☺: إن اختارت زوجها فواحدةٌ رجعيَّة، وإن اختارت نفسها فواحدةٌ بائنة، وعنه: إن اختارت زوجها فلا شيء، وإن اختارت نفسها فواحدةٌ بائنة. وقال زيدُ بن ثابت ☺ في أمرك بيدك إن اختارت نفسها فواحدة رجعيَّة.
          وقال أبو حنيفة وصاحباه وزفر في الخيار: إن اختارت زوجها فلا شيء، وإن اختارت نفسها فواحدةٌ بائنة إذا أراد الزوج الطلاق ولا يكون ثلاثاً، وقال ابنُ أبي ليلى والثوري والأوزاعي: إن اختارت زوجها فلا شيءَ، وإن اختارت نفسها فواحدة.
          وقال مالك في الخيار أنَّه ثلاث: إذا اختارتْ نفسها، وإن طلَّقت نفسها بواحدةٍ لم يقع شيء.
          وقال النَّوويُّ: مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء: أنَّ من خيَّر زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقاً، ولا يقع به فرقة. ورُوِي عن عليٍّ وزيد بن ثابت والحسن واللَّيث: أنَّ نفس التَّخيير تقع به طلقة بائنة سواء اختارت نفسها أم لا. وحكاه الخطابيُّ وغيره عن مذهب مالك. قال القاضي: ولا يصحُّ هذا عن مالك.
          وفيه: جواز اليمين شهراً، أن لا يدخل على امرأته ولا يكون بذلك مُولِياً؛ لأنَّه ليس من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء ولا له حكمه، وأصل الإيلاء في اللغة: الحلف على الشيء، يُقال منه: آلَى يُولِي إِيلَاء وتأَلَّى تأَلِّياً، وائْتَلى ائتِلَاء، وصار في عرف الفقهاء مختصاً بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة، ولا خلاف في هذا / إلَّا ما حُكِي عن ابن سيرين أنَّه قال: الإيلاء الشَّرعي محمولٌ على ما يتعلَّق بالزَّوجة من ترك جماعٍ أو كلام.
          وفيه: جواز دقِّ الباب وضربه، وفيه: جواز دخول الآباء على البنات بغير إذن أزواجهنَّ، والتَّفتيش عن أحوالهنَّ سيَّما عمَّا يتعلَّق بالمزاوجة، وفيه: السُّؤال قائماً، وفيه: التَّناوب في العلم والاشتغال به، وفيه: الحرص على طلب العلم، وفيه قبول خبر الواحد والعمل بمراسيل الصَّحابة، وفيه أنَّ الصَّحابة ♥ كان يخبرُ بعضهم بعضاً بما يسمع من النَّبي صلعم ، ويقولون: قال رسول الله صلعم ، ويجعلون ذلك كالمسنَد إذ ليس في الصَّحابة من يكذب ولا غير ثقة.
          وفيه: أنَّ شدة الوطأة على النساء غير واجبة؛ لأنَّ النَّبي صلعم سار بسيرة الأنصار فيهنَّ، وفيه: فضل عائشة ♦.
          ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «فدخل مشربة له»؛ لأنَّ المشربة كما عرفت هي الغرفة، قاله ابن الأثير وغيره، وقد مضى بعضُ هذا الحديث في «كتاب العلم»، في باب «التناوب في العلم» [خ¦89]، وقد مرَّ فيه أيضاً من أخرجه سوى البخاري.