نجاح القاري لصحيح البخاري

باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام

          ░3▒ (بابُ اسْتِئْجَارِ) المسلمين (الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وهذه التَّرجمة تشعر بأنَّ المصنف لا يرى استئجار المشرك سواء كان حربيًّا أو ذميًّا إلَّا عند الاحتياج إلى ذلك كتعذُّر وجود مُسلم يكفي في ذلك أو عند عدمه أصلاً، وأشار إليه بقوله: (أَوْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ) على البناء للمفعول، وفي بعض النُّسخ: <وإذا لم يجد أهل الإسلام> على البناء للفاعل؛ أي: وإذا لم يجد المسلم أحداً من أهل الإسلام لأن يستأجره.
          وأشار في التَّرجمة بقوله: ((إذا لم يوجد أهل الإسلام)) إلى ما أخرجه أبو داود من طريق حمَّاد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن أخيه عن نافع عن ابن عمر ☻ أنَّ النَّبي صلعم قاتل أهل خيبر فذكر الحديث وقال فيه: ((وأراد أن يجليهم)) فقالوا: يا محمَّد! دعنا نعمل في هذه الأرض ولنا الشَّطر ولكم الشَّطر الحديث.
          وإنَّما أجابهم إلى ذلك لمعرفتهم بما يصلح أرضهم دون غيرهم، فنزل المصنف مَنْ لا يعرف منزلة مَنْ لم يوجد، والله أعلم.
          (وَعَامَلَ النَّبِيُّ صلعم يَهُودَ خَيْبَرَ) ويأتي حديث معاملة النَّبي صلعم يهود خيبر في أواخر كتاب ((الإجارة)) إن شاء الله تعالى [خ¦2285]. وروى عبد الرَّزاق عن ابن جُريج عن ابن شهاب قال: لم يكن للنَّبي صلعم عمَّال يعملون نخل خيبر وزرعها، فدعا النَّبي صلعم يهود خيبر فدفعها إليهم.
          ومطابقة هذا التَّعليق للتَّرجمة من حيث إنَّه صلعم عامل يهود خيبر على العمل في أرضها إذ لم يوجد من المسلمين من ينوب منابهم في عمل الأرض في ذلك الوقت، ولمَّا قوي الإسلام استغنى عنهم حتَّى أجلاهُم عمر بن الخطَّاب ☺.
          قال العينيُّ: وسقط بذلك قول بعضهم _يريد به الحافظ العسقلانيُّ_ وفي استشهاده بقصَّة معاملة النَّبي صلعم يهود خيبر على أن يزرعوها نظرٌ؛ لأنَّه ليس فيها تصريحٌ بالمقصود، وكأنَّه أخذ ذلك من هذا التَّعليق مضموماً إلى قوله صلعم : ((إنَّا لا نستعين بمشركٍ)) أخرجه مسلمٌ وأصحاب ((السنن)) فأراد الجمع / بين الأخبار بما ترجم له.