-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
أبواب سترة المصلي
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب الجماعة والإمامة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
باب استئجار الرجل الصالح
-
باب رعي الغنم على قراريط
-
باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام
-
باب: إذا استأجر أجيرًا ليعمل له بعد ثلاثة أيام
-
باب الأجير في الغزو
-
باب من استأجر أجيرًا فبين له الأجل ولم يبين العمل
-
باب إذا استأجر أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض جاز
-
باب الإجارة إلى نصف النهار
-
باب الإجارة إلى صلاة العصر
-
باب: إثم من منع أجر الأجير
-
باب الإجارة من العصر إلى الليل
-
باب من استأجر أجيرًا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد
-
باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به وأجرة الحمال
-
باب أجر السمسرة
-
باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب؟
-
باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب
-
باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء
-
باب خراج الحجام
-
باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه
-
باب كسب البغي والإماء
-
باب عسب الفحل
-
باب: إذا استأجر أرضًا فمات أحدهما
-
باب استئجار الرجل الصالح
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░16▒ (بابُ) حكم (مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ) بضم الراء وسكون القاف وفتح المثناة التحتية، العوذة من رَقَاه رَقْياً ورُقْية ورُقياً فهو راقٍ، إذا عوَّذه. وقال الزَّمخشريُّ: وقد يقال: استرقيتُه بمعنى رقيتُه، قال: وعن الكَسَائي ارتقيته بهذا المعنى، وقال ابن دَرَسْتُوَيه: كلُّ كلامٍ اسْتُشْفَى به من وجعٍ أو خوف أو شيطان أو سحرٍ فهو رقية. / وفي معظم نسخ البخاريِّ وأكثرها هكذا: ((باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب))، والأحياء _بالفتح_ جمع حي، والمراد به طائفةٌ من العرب بخصوصها.
قال الهمدانيُّ في «الأنساب»: الشعب والحي بمعنًى، وسمِّي الشعب؛ لأنَّ القبيلة تتشعَّب منه، وقد اعترض على المصنِّف لتقييده بأحياء العرب بأنَّ الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة ولا باختلاف الأجناس، وتقييده في الترجمة بأحياء العرب يُشعر بحصره فيها.
وقال الحافظُ العَسْقَلانيُّ: ويمكن الجواب بأنَّه ترجم بالواقع، ولم يتعرَّض لنفي غيره، وتعقَّبه العينيُّ بأنَّه جواب غير مقنعٍ؛ لأنَّه قيده بإحياء العرب، والقيد شرطٌ إذا انتفى ينتفى المشروط، هذا وفيه تأمُّل.
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْراً كِتَابُ اللَّهِ).
ومطابقته للتَّرجمة من حيث إنَّ فيه جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه وعلى الرُّقية به لعموم اللفظ، وهو يفسِّر أيضاً الإبهام الذي في التَّرجمة فإنَّه ما بُيَّنَ فيها حكمُ ما يعطى في الرُّقية بفاتحة الكتاب.
وهذا التَّعليق طرفٌ من حديث وصله البخاريُّ في ((الطب)) [خ¦5737] في باب ((الشَّرط في الرقية بقطيع من الغنم)).
وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على الرُّقية بالفاتحة، وفي أخذها على التَّعليم فأجازه عطاء وأبو قِلَابة وهو قول مالكٍ والشَّافعي وأحمد وأبي ثور. ونقله القُرْطُبيُّ عن أبي حنيفة في الرقية وهو قول إسحاق، وكره الزُّهريُّ تعليم القرآن بالأجر، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز أن يأخذَ على تعليم القرآن أجرة.
وقال الحاكمُ من أصحابنا في كتابه «الكافي»: ولا يجوز أن يستأجرَ رجلٌ رجلاً أن يعلِّم ولده القرآن والفقه والفرائض أو يؤمَّهم في رمضان أو يؤذن.
وفي «خلاصة الفتاوى»: ناقلاً عن الأصل لا يجوز الاستئجار على الطَّاعات كتعليم القرآن والفقه والأذان والتَّذكير والتَّدريس والحج والغزو؛ يعني: لا يجب الأجر، وعند أهل المدينة يجوز، وبه أخذ الشَّافعي ونُصَيْرٌ وعصام وأبو نصرٍ الفقيه وأبو اللَّيث ▓.
والأصل الذي بني عليه حرمةُ الاستئجار / على هذه الأشياء أنَّ كلَّ طاعةٍ يختصُّ بها المسلم لا يجوز الاستئجار عليها؛ لأنَّ هذه الأشياء طاعة وقربة تقع عن العامل قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] فلا يجوز أخذ الأجرة من غيره عليه كالصَّوم والصَّلاة.
واحتجُّوا على ذلك بأحاديث: منها: ما رواه أحمد في «مسنده» من حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الرَّحمن بن شبل: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تستكثروا به)).
ورواه إسحاق بن راهويه أيضاً في «مسنده» وكذا ابن أبي شيبة وعبد الرَّزاق في «مصنفيهما»، ورواه عبد بن حميد وأبو يعلى الموصليُّ والطَّبرانيُّ من طريق عبد الرَّزاق.
ومنها: ما رواه البزار في «مسنده» عن حمَّاد بن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن عن أبيه عن عبد الرَّحمن بن عوف ☺ مرفوعاً نحوه.
ومنها: ما رواه ابن عدي في «الكامل» عن الضَّحَّاك بن نبراس البصريِّ عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ☺ عن رسول الله صلعم نحوه.
ومنها: حديث رواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصليِّ عن عبادة بن نسيٍّ عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصَّامت ☺ قال: علَّمت ناساً من أهل الصُّفَّة القرآن فأهدى إليَّ رجلٌ منهم قوساً، فقلت: ليس بمالٍ وأرمي بها في سبيل الله، فسألت النَّبي صلعم عن ذلك فقال: ((إن أردت أن يطوِّقك الله طوقاً من نار فاقبلها)) ورواه ابن ماجه والحاكم في «المستدرك» وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه أبو داود من طريقٍ آخر من حديث جنادةً بن أبي أُميَّة عن عبادة بن الصَّامت ☺ قال: كان النَّبي صلعم إذا قدم الرَّجل مهاجراً دفعه إلى رجلٍ منا يعلِّمه القرآن فدفع إليَّ رجلاً كان معي، وكنت أقرئه القرآن فانصرفت يوماً إلى أهلي فرأى أنَّ عليه حقًّا فأهدى إليَّ قوساً ما رأيت أجود منها عوداً، ولا أحسن منها عطافاً فأتيت رسول الله صلعم / فاستفتيته فقال: ((جمرة بين كتفيك تقلَّدتها أو تعلَّقتها)).
وأخرجه الحاكم في كتاب «الفضائل» عن أبي المُغِيرة عبد القدُّوس بن الحجَّاج عن بِشْر بن عبد الله بن يَسَار به سنداً ومتناً، وقال: حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ومنها: ما رواه ابن ماجه من حديث عطيَّة الكلاعِيِّ عن أبيِّ بن كعبٍ ☺ قال: علَّمت رجلاً القرآن فأهدى إليَّ قوساً، فذكرت ذلك للنَّبي صلعم فقال: ((إن أخذتها أخذت قوساً من نار)) قال: فرددتها.
ومنها: ما رواه عثمان بن سعيد الدَّارمي من حديث أمِّ الدَّرداء عن أبي الدَّرداء ☻ أنَّ رسول الله صلعم قال: ((من أخذ قوساً على تعليم القرآن قلَّده الله قوساً من نار)).
ومنها: ما رواه البيهقي في «شعب الإيمان» من حديث سليمان بن بُرَيْدَةَ عن أبيه قال: قال رسول الله صلعم : ((من قرأ القرآن يأكل به النَّاس جاء يوم القيامة ووجهه عظمة ليس عليه لحم)).
ومنها: ما رواه التِّرمذي من حديث عمران بن حصين ☺ يرفعه: ((اقرؤوا القرآن وسلوا الله به فإنَّ من بعدكم قومٌ يقرؤون القرآن يسألون النَّاس به)).
وذكر ابن بطَّال من حديث حمَّاد بن سلمة عن أبي جرهمٍ عن أبي هريرة ☺ قلت: يا رسول الله! ما تقول في المعلِّمين قال: ((أجرهم حرام)).
وذكر ابن الجوزيِّ من حديث ابن عبَّاس ☻ مرفوعاً: ((لا تستأجروا المعلمين)) وهذا غير صحيحٍ، وفي إسناده أحمد بن عبد الله الهرويِّ.
قال ابن الجوزيِّ: رجلٌ يضع الحديث، ووافقه صاحب «التنقيح» وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقالٌ لكنَّه يؤكد بعضها بعضاً ولا سيما حديث القوس فإنَّه صحيحٌ كما ذكرنا، فإذا تعارض نصَّان: أحدهما: مبيح، والآخر: محرم، يدلُّ على النسخ كما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى.
وكذا الكلام في حديث أبي سعيدٍ الخدري ☺ الذي يأتي عن قريبٍ في هذا الباب، وأجاب / ابن الجوزيِّ ناقلاً عن أصحابه عن حديث أبي سعيد ☺ بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنَّ القوم كانوا كفاراً فجاز أخذ أموالهم.
والثَّاني: أنَّ حق الضَّيف واجبٌ ولم يضيفوهم.
والثَّالث: أنَّ الرقية ليست بقربةٍ محضة فجاز أخذ الأجرة عليها.
وقال القرطبيُّ: ولا نسلم أنَّ جواز أخذ الأجر في الرقى يدلُّ على جواز التَّعليم بالأجر، وقال بعض أصحابنا: معنى قوله صلعم : ((إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) يعني: إذا ما رقيتم به.
وحمل بعض من منع أخذ الأجر على تعليم القرآن الأجر في الحديث المذكور على الثَّواب، وبعضهم ادَّعوا أنَّه منسوخٌ بالأحاديث المذكورة التي فيها الوعيد.
واعترض عليه الحافظ العسقلانيُّ بأنَّ إثبات النسخ بالاحتمال مردودٌ على أنَّ الأحاديث المذكورة ليس فيها تصريحٌ بالمنع على الإطلاق بل هي وقائع أحوال محتملة للتَّأويل لتوافق الأحاديث الصَّحيحة كحديثي الباب، وليس فيها ما يقوم به الحجَّة فلا تعارض الأحاديث الصَّحيحة.
هذا وتعقَّبه العَيْنِيُّ بأنَّ الذي ادَّعى النسخ لم يقل هذا الحديث يحتمل النَّسخ بل قال: إنَّ هذا الحديث يحتمل الإباحة قطعاً، والنَّسخ هو الحظر بعد الإباحة فإنَّ الإباحة أصل في كلِّ شيءٍ، فإذا طرأ الحظر يدلُّ على النسخ بلا مرية، وبأنَّا لا نسلم أيضاً بأنَّه ليس فيها ما يقوم به الحجة، فإنَّ حديث القوس صحيحٌ، وفيه: الوعيد الشَّديد.
هذا وقال الطَّحاويُّ: ويجوز الأجر على الرقى، وإن كان يدخل في بعضه القرآن؛ لأنَّه ليس على النَّاس أن يرقي بعضهم بعضاً، وتعليم النَّاس بعضهم بعضاً القرآن، وأُجيب: لأنَّ في ذلك التَّبليغ عن الله تعالى.
وقال صاحب «التوضيح»: قول الطَّحاويِّ هذا غلطٌ؛ لأنَّ تعلُّمه ليس بفرض فكيف تعليمه، وإنَّما الفرض المعيَّن منه على كلِّ أحد ما يقوم به الصَّلاة وغير ذلك فضيلة ونافلة، وكذلك تعليم النَّاس بعضهم بعضاً ليس بفرضٍ متعيَّنٍ عليهم، وإنَّما هو على الكفاية، ولا فرق / بين الأجرة في الرقى وعلى تعليم القرآن؛ لأنَّ ذلك كلَّه منفعة، انتهى.
وقال العينيُّ: هذا كلامٌ صادر عن قلَّة الأدب وعدم مراعاة البحث سواء كان هذا الكلام منه أو نقله من غيره، وكيف يقول أنَّ تعلمه ليس بفرضٍ فكيف فإذا لم يكن تعلمه وتعليمه فرضاً فلا يفرض القرآن في الصَّلاة، وقد أمر الله تعالى بالقراءة فيها بقوله: {فَاقْرَؤُوا} [المزمل:20] فإذا أسلم أحدٌ من أهل الحرب أفلا يفرض عليه أن يتعلَّم مقدار ما تجوز به صلاته، وإذا لم يجد إلَّا أحداً ممَّن يقرأ القرآن كله أو بعضه أفلا يجب عليه أن يعلِّمه مقدار ما يجوز به الصَّلاة؟.
وقوله: وإنَّما الفرض المعيَّن منه على كلِّ أحدٍ ما يقوم به الصَّلاة، يدلُّ على أنَّ تعلمه فرضٌ عليه؛ لأنَّه لا يقدر على هذا المقدار إلَّا بالتَّعلم إذا لم يقدر عليه من ذاته، فإذا كان ما تقوم به الصَّلاة من القراءة فرضاً عليه على كلِّ حالٍ سواء كان على التَّعيين أو على الكفاية فكيف لا يكون فرضاً وقد أمر رسول الله صلعم بالتَّبليغ من الله، ولو كان آيةً من القرآن، وأوجب التَّبليغ عليه فقال صلعم : ((بلِّغوا عنِّي ولو آيةً من كتاب الله)) انتهى.
وأنت خبير بأنَّ هذا الكلام لا يصادم ما قاله صاحب «التوضيح» ولا يدفعه، فتأمَّل حق التَّأمل.
(وَقَالَ الشَّعْبِيُّ) هو: عامر بن شراحيل (لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ، إِلاَّ أَنْ يُعْطَى) على البناء للمفعول (شَيْئاً فَلْيَقْبَلْهُ) وهذا التَّعليق وصله ابن أبي شَيبة عن مروان بن معاوية عن عثمان بن الحارث قال: وحدَّثنا وكيعٌ: حدَّثنا سفيان عن أيُّوب بن عائذ الطَّائيِّ، عنه. وقول الشَّعبيِّ هذا يدلُّ على أنَّ أخذ الأجرة بالاشتراط لا يجوز فإن أعطى من غير شرطٍ، فإنَّه يجوز أخذه؛ لأنَّه إمَّا هبة أو صدقة وليس بأجرة.
وأصحابنا الحنفيَّة قائلون بهذا أيضاً وقوله: ((إلَّا أن يُعْطَى)) استثناء منقطعٌ معناه: لكن الإعطاء بدون الاشتراط جائزٌ فيقبله، ويروى: ((إن)) بكسر الهمزة؛ أي: لكن إن يعط شيئاً بدون الشَّرط فليقبله، وإنَّما كتب يعطى بالألف على قراءة من يقرأ: / {مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ} [يوسف:90] أو الألف حصلت من إشباع الفتحة.
(وَقَالَ الْحَكَمُ)بفتح الحاء والكاف، هو: ابن عُيَيْنَة (لَمْ أَسْمَعْ أَحَداً كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ) وصل هذا التَّعليق البغوي في «الجعديات» حدَّثنا علي بن الجَعْدِ عن شُعبة سألت معاوية بن قرَّة عن أجر المعلم فقال: أرى له أجراً وسألت الحكم فقال: ما سمعت فقيهاً يكرهه.
قال العينيُّ: نفى علم سماعه من أحدٍ كراهة أجر المعلم لا يستلزم النَّفي عن الكلِّ؛ لأنَّ النَّبي صلعم كره لعبادة بن الصَّامت حين أهدى له من كان يعلِّمه قوساً، الحديث وقد مرَّ عن قريبٍ.
وقال عبد الله بن شقيق: يكره أرش المعلم فإنَّ أصحاب رسول الله صلعم كانوا يكرهونه ويرونه شديداً، وقال إبراهيم النَّخعيُّ: كانوا يكرهون أن يأخذوا على الغلمان أجراً في كتاب الله، وذهب الزُّهري وإسحاق إلى أنَّه لا يجوز أخذ الأجر عليه.
(وَأَعْطَى الْحَسَنُ)أي: البصريُّ (دَرَاهِمَ عَشَرَةً) أي: أجر المعلم. ووصل هذا التَّعليق محمد بن سعد في «الطبقات» من طريق يحيى بن سعيد بن أبي الحسن قال: لَمَّا حذقت قلت لعمي: يا عمَّاه! إنَّ المعلم يريد شيئاً قال: ما كانوا يأخذون شيئاً، ثمَّ قال: أعطه خمسة دراهم، فلم أزل به حتَّى قال: أعطه عشرة دراهم.
وروى ابن أبي شيبة من طريقٍ أخرى عن الحسن قال: لا بأس أن يأخذ على الكتابة أجراً، وكره الشَّرط، انتهى، والكتابة غير التَّعليم، فافهم.
(وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ) هو: محمد عالم التَّعبير (بِأَجْرِ الْقَسَّامِ) بفتح القاف، فعال من القَسم _بفتح القاف_ وهو القاسم، وشرحه الكرمانيُّ على أنَّه بضم القاف جمع قاسم.
(بَأْساً. وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ: السُّحْتُ: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ) والسُّحت: بضم السين وسكون الحاء المهملتين، وحكي: بضم الحاء وقُرِئَ بهما، وقد فسَّره بالرّشوة في الحكم وهو بتثليث الراء، وقيل: بفتح الراء المصدر وبالكسر الاسم، وقيل: السُّحت / ما يلزم أكله العار فهو أعمُّ من الحرام.
وقال ابنُ الأَثِير: الرَّشوة الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، وأصله من الرشاء، وهو الذي يتوصل به إلى الماء. وقال: السحت الحرام الذي لا يحلُّ كسبه؛ لأنَّه يسحت البركة؛ أي: يذهبها، واشتقاقه من السَّحت _بالفتح_ وهو الإهلاك والاستئصال.
(وَكَانُوا يُعْطَوْنَ) أي: الأجرة (عَلَى الْخَرْصِ) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد المهملة هو الخرز وزناً ومعنىً، وقد تقدَّم تفسيره في ((البيوع))؛ أي: كانوا يعطون أجرة الخارص، وفي ذلك دلالةٌ على جواز أجرة القسام لاشتراكهما في أنَّ كلاً منهما يفصل التَّنازع بين المتخاصمين، ولأنَّ الخرص يقصد للقسمة.
واعلم أنَّ قول ابن سيرين في أجرة القسَّام مختلف فيه فروى عبد بن حميد في «تفسيره» من طريق يحيى بن عتيق عن محمد وهو ابن سيرين أنَّه كان يكره أجور القسَّام ويقول: كان يقال: السحت الرَّشوة على الحكم، وأرى هذا حكماً يؤخذ عليه الأجر.
وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة قال: قلت لابن المسيَّب: ما ترى في كسب القسَّام فكرهه، وكان الحسن يكره كسبه.
وقال ابن سيرين: إن لم يكن حسناً فلا أدري ما هو، وجاءت عنه روايةٌ يجمع بها بين هذا الاختلاف قال ابن سعد: حدَّثنا حمَّاد عن يحيى عن محمد هو: ابن سيرين أنَّه كان يكره أن يشارط القسَّام فكأنَّه كان يكره له أخذ الأجرة على سبيل المشارطة، ولا يكرهها إذا كانت بغير اشتراط، كما تقدَّم عن الشَّعبي.
وظهر بما أخرجه ابن أبي شيبة أنَّ قول البخاري: وكان يقال: السُّحت الرَّشوة، بقيَّة كلام ابن سيرين.
وأمَّا قول ابن سيرين: السحت الرَّشوة في الحكم فمأخذه ما جاء عن عمرو عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت ♥ في قولهم في تفسير السُّحت أنَّه الرَّشوة في الحكم، أخرجه الطَّبريُّ بأسانيده عنهم، ورواه من وجهٍ آخر مرفوعاً برجال ثقاتٍ، ولكنَّه مرسل ولفظه: ((كلُّ لحمٍ أنبته السُّحت فالنَّار أولى به)) قيل: يا رسول الله! وما السُّحت؟ قال: ((الرَّشوة في الحكم)) ومناسبة ذكر القسام / والخارص في هذا الباب للاشتراك في أنَّ جنسهما وجنس تعليم القرآن والرقية واجبٌ، ومن ثمَّة كره مالك أخذ الأجرة على قدر الوثائق لكونها من فروض الكفاية، وكره أيضاً أجر القسام. وقيل: إنَّما كرهها؛ لأنَّه كان يرزق من بيت المال فكره له أن يأخذ أجرةً أخرى، وأشار سُحنون إلى الجواز عند فساد أمور بيت المال.
وقال عبد الرَّزاق: أخبرنا معمر عن قتادة أحدث النَّاس ثلاثة أشياءٍ لم يكنْ يُؤخذ عليهنَّ أجرٌ ضراب الفحل، وقسم الأموال، والتَّعليم، انتهى.
وهذا مرسلٌ وهو يشعر بأنَّهم كانوا قبل ذلك يتبرَّعون بها، فلمَّا فشا الشحُّ طلبوا الأجرة فعدَّ ذلك من غير مكارم الأخلاق فيحمل كراهة من كرهها على التَّنزيه، والله تعالى أعلم.
هذا وقال العينيُّ: ويمكن أن يقال: وقع ذكر القسام، والخارص هنا استطراداً لا قصداً، انتهى.
أنت خبير بأنَّ بيان الوجه وإن كان فيه تكلف أولى من الحمل على الاستطراد.