إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم

          6593- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) هو سعيدُ(1) بن الحكم بن محمَّد بنِ سالم بنِ أبي مريم الجمحيُّ بالولاء، أبو محمَّد المصريُّ (عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ) بن عبد الله الجمحيِّ المكِّيِّ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) عبد الله (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ☻ ) أنَّها (قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ‼ صلعم : إِنِّي عَلَى الحَوْضِ) يوم القيامة (حَتَّى أَنْظُرُ) بالرفع، ولأبي ذرٍّ: بالنَّصب، أي: حتَّى أن أنظر (مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ) بتشديد الياء (مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ مِنْ(2) دُونِي) بالقُرب منِّي (فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ) له(3): (هَلْ شَعَرْتَ) هل عَلِمت (مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَاللهِ مَا بَرِحُوا) ما زالوا (يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ) مرتدِّين (فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا) وقوله: «فكان ابن أبي مُلَيكة...» إلى آخره موصولٌ بالسَّند، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ الرُّجوعَ على العقبِ كنايةٌ عن مخالفةِ الأمر الَّذي تكون الفتنة بسببهِ، فاستعاذَ منهما جميعًا، وقال أبو عُبيدة مفسِّرًا لقوله تعالى: ({أَعْقَابِكُمْ}) ولغير أبي(4) ذرٍّ: ”أعقابهم“ بالهاء ({تَنكِصُونَ}[المؤمنون:66]) أي: (تَرْجِعُونَ عَلَى العَقِبِ) بكسر القاف. قال في «التَّذكرة»: قال عُلماؤنا: كلُّ مَن ارتدَّ عن دينٍ أو أحدثَ فيه ما لا يرضاهُ الله ورسوله ولم يَأذن فيه، فهو من المطرودينَ عن الحوضِ المبعدين عنه، وأشدُّهم طردًا من خالفَ جماعة المسلمين، كالخوارجِ على اختلافِ فِرَقها، والرَّوافض على تباينِ ضلالها، والمعتزلةِ على أصنافِ أهوائها، فهؤلاء كلُّهم مُبدِّلون، وكذلك الظَّلمة المسرفون في الجَورِ والظُّلم وطمس الحقِّ وقتل أهله وإذْلالهم، والمعلِنون الكبائر المستخفُّون بالمعاصي، وفي حديثِ كعب بن عُجْرة _عند التِّرمذيِّ_: قال لي رسول الله صلعم : «أعيذُكَ باللهِ يا كعب ابن عُجْرة من أمراءَ يكونونَ من بعدِي، فمن غشيهُم في أبوابهِم فصدَّقهُم في كذبِهِم وأعانَهُم على ظلمِهِم، فليس منِّي ولستُ منهُ، ولا يردَ عليَّ الحوضَ، ومن غشيَ أبوابَهُم ولم يصدِّقهُم على كذبِهِم، ولم يُعنهم على ظلمِهِم، فهو منِّي وأنَا منه، وسيرِدُ عليَّ الحوضَ» الحديث(5).
          اللَّهمَّ لا تمكر بنا عند الخاتمة يا كريم، واجعلنَا من الفائزين الَّذين لا خوفٌ عليهم، ولا هُم يحزنون، واسقنَا من حوض نبيِّنا محمَّد صلعم برحمتِكَ يا أرحم الرَّاحمين يا ربَّ العالمين. آمين.


[1] في (د) زيادة: «بن محمد».
[2] «من»: ليست في (ص).
[3] «له»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[4] في (ص): «لأبي».
[5] «ومن غشيَ أبوابهُم ولم يصدِّقهُم على كذبهِم ولم يعنهُم على ظلمهِم، فهو منِّي وأنا منه وسيردُ عليَّ الحوضَ الحديث»: ليست في (ص).