إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن

          6579- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) هو سعيد بن محمَّد بن الحكم بن أبي مريم الجُمحيُّ قال: (حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ) بن عبد الله الجُمحيُّ المكيُّ الحافظ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) هو عبدُ الله بنُ عبيد الله بنِ أبي مُليكة _بالتَّصغير_ ابن عبدِ الله بنِ جُدْعان(1)، ويقال: اسم أبي مُلَيكة: زهيرٌ التَّيميُّ المدنيُّ أدركَ ثلاثين من الصَّحابة، أنَّه (قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين، ابن العاصي ☻ (2): (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ) زاد مسلمٌ من هذا الوجه: «زواياه سواءٌ» أي: لا يزيد طوله على عرضهِ، وفيه ردٌّ على مَن جمع بين اختلاف الأحاديث في تقدير مسافة الحوضِ باختلاف العرض والطُّول كما سبق قريبًا [خ¦6577] (مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ) فيه حُجَّةٌ للكوفيِّين على إجازةِ أفعل التَّفضيل من اللَّون. وقال البصريُّون: لا يُصاغ منه ولا من غير الثُّلاثيِّ، فقيل: لأنَّ اللَّون الأصلُ في أفعاله الزِّيادة(3) على ثلاثةٍ، وقيل: لأنَّه خُلِقَ ثابتًا في العادة، وإنَّما يتعجَّب(4) ممَّا يقبل الزِّيادة والنُّقصان، فجرتْ ذلك مجرى الأجسام الثَّابتة على حالٍ واحدٍ، قالوا: وإنَّما يتوصَّل إلى التَّفضيل فيه وفيما زاد على الثُّلاثي بـ «أفعلَ» مصوغًا من فعلٍ دالٍّ على مطلق الرَّجحان، والزِّيادة نحو أكبر وأزيدُ وأرجح وأشدُّ. قال الجوهريُّ: تقول: هذا أشدُّ بياضًا من كذا، ولا تقلْ: أبيضُ منه، وأهلُ الكوفة يقولونهُ ويحتجُّون بقول الرَّاجز:
جَارِيَةٌ فِي دِرْعِهَا الفَضْفَاضِ                     أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي إِبَاضِ
قال المبرِّد: ليس البيت الشَّاذُّ بحُجَّةٍ على الأصلِ المجمع عليه، وأمَّا قولُ الرَّاجز(5) طَرَفة:
إِذَا الرِّجَالُ شَتَوْا(6) وَاشْتَدَّ أَكْلُهُمُ                     فَأَنْتَ أَبْيَضُهُم سِرْبَالَ طَبَّاخِ
فيُحتمل أن لا يكون بمعنى أفعل الَّذي تصحبُه «من» للمفاضلة(7)، وإنَّما هو بمنزلةِ قولك: هو أحسنُهم وجهًا وأكرمهم أبًا، تريد: حَسَنُهم وجهًا وكَريْمُهم‼ أبًا، فكأنَّه قال: فأنت مُبْيَضُّهم سربالًا، فلمَّا أضافَه انتصبَ ما بعدَه على التَّمييز، وجعلَ ابن مالكٍ قوله: «أبيض» من المحكوم بشذوذهِ. وقال النَّوويُّ: هي لغةٌ وإن كانت قليلةَ الاستعمالِ والحديث(8) يدلُّ على صحَّتها، وفي مسلم من رواية أبي ذرٍّ وابن مسعودٍ _عند أحمد_ بلفظ: «أشدُّ بياضًا من اللَّبن» (وَرِيحُهُ أَطْيَبُ) ريحًا (مِنَ المِسْكِ) وزاد مسلمٌ من حديث أبي ذرٍّ وثوبان: «وأحلى من العسلِ»، وزاد أحمدُ من حديثِ ابن مسعودٍ: «وأبردُ من الثَّلج» (وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ) أي: في الإشراقِ والكثرةِ، ولأحمدَ من رواية الحسن عن أنسٍ: «أكثر من عدد نجوم السَّماء» (مَنْ شَرِبَ) بفتح الشين وكسر الراء (مِنْهَا) من الكيزان، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”من يشرب“ بلفظ المضارع والجزم، على أنَّ «مَن» شرطيَّة، ويجوزُ الرَّفع على أنَّها موصولةٌ، ولأبي ذرٍّ: ”منه“ أي: من الحوض (فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا) وعند ابنِ أبي الدُّنيا عن النَّوَّاس بن سمعان: «أوَّل مَن يَرِدُ عليه مَن يسقي كلَّ عطشانٍ».
          وحديثُ الباب أخرجهُ مسلمٌ في «الحوض» أيضًا.


[1] في (د): «الجدعان».
[2] في (ع) زيادة: «قال».
[3] في (ص) و(ع) و(د): «زائدة».
[4] قال الشيخ قطَّة ⌂ : الأولى أن يقول: وإنَّما يقع التفضيل فيما ... إلى آخره؛ لأنَّ الكلام فيه، ولعلَّه نقل هذه العبارة عمن ذكرها في التعجب من غير تصرف.
[5] في (ب): «الآخر».
[6] في (ص): «بيتوا»، وفي (د): «سواء». والمثبت موافق للصحاح.
[7] في (ع) و(ص) و(د): «المفاضلة». والمثبت موافق للصحاح.
[8] في (د): «فالحديث».