إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني لأعلم كلمةً لو قالها لذهب عنه ما يجد

          6115- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ) أبو الحسن العبسيُّ مولاهم الحافظ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم، ابن عبد الحميدِ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بنِ مهران الكوفيِّ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) الأنصاريِّ، أنَّه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ‼ بْنُ صُرَدٍ) بضم السين، و«صُرَد» بضم الصاد وفتح الراء، الخزاعيُّ الكوفيُّ الصَّحابيُّ ☺ ، أنَّه(1) (قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ) لم يسمَّيا، أي: تشاتما (عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ، وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ) يشتمه حال كونه (مُغْضَبًا) بفتح الضاد المعجمة (قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ) من شدَّة الغضب (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجِدُ) من الغضبِ (لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لأنَّ الشَّيطان هو الَّذي يزيدُ(2) للإنسان الغضبَ، فالاستعاذةُ من أقوى السِّلاح على دفعِ كيدهِ (فَقَالُوا) أي: الصَّحابة (لِلرَّجُلِ) وفي «سنن أبي داود» أنَّه(3) معاذُ بن جبلٍ: (أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صلعم قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ) لم يعلم أنَّ الغضب نوعٌ من مسِّ الشيطان، ولعلَّه _كما قال النَّوويُّ_ من المنافقين، أو من جفاةِ الأعراب.
          والحديث سبق في «صفة(4) إبليس» [خ¦3282] وفي «باب(5) السِّباب واللَّعن» [خ¦6048].
          وفيه: أنَّ الاستعاذة تُعين على تركِ الغضب، وكذا استحضار ما في كظمِ الغيظ من الفضلِ، وما في عاقبة الغضب من الوعيدِ، وأن يستحضرَ أن لا فاعل إلَّا الله، وكلُّ فاعلٍ غيره فهو آلةٌ له، فمن توجَّه إليه مكروهٌ من غيره واستحضرَ أن لو شاء الله لم يمكن ذلك الغير منه اندفعَ غضبه؛ لأنَّه لو غضبَ والحالة هذه كان غضبُه على ربِّه وهو خلافُ العبوديَّة، ولعلَّ هذا هو السِّرُّ في أمر الَّذي غضب بالاستعاذة لأنَّه إذا توجَّه إلى ربِّه حينئذٍ بالاستعاذة أمكنَهُ استحضارُ ما ذكر، والله الموفِّق.


[1] «أنه»: ليست في (د).
[2] في (د): «يزين».
[3] أي: القائل، لا الغاصب معاذ الله.
[4] في (د): «باب صفة».
[5] في (د): «وباب».