إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه

          6114- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) الدِّمشقيُّ التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمامُ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ) فلا يغضبُ، والصُّرَعة بضم المهملة وفتح الراء، وهو من أبنيةِ المبالغة، وكل ما(1) جاء بهذا الوزن بالضَّم والفتح كهُمزة ولُمزة وحُفَظة وضُحَكة، والمراد بالصُّرَعة من يصرعُ النَّاس كثيرًا بقوَّته فنقل إلى الَّذي يملك نفسَه عند الغضبِ، فإنَّه إذا ملكها كان قد قهرَ أقوى أعدائهِ وشرَّ خصومهِ، ولذا قيل: أعدَى عدوٍّ لك(2) نفسك الَّتي بين جنبيكَ، وهذا من الألفاظِ الَّتي نُقِلتْ عن موضوعها اللُّغوي لضربٍ(3) من التَّوسُّع والمجاز، وهو من فصيح الكلام لأنَّه لمَّا كان الغضبان بحالةٍ شديدةٍ من الغيظِ، وقد(4) ثارتْ عليه شهوةُ الغضبِ فقهرهَا بحِلْمهِ وصرعهَا بثَباتهِ، كان كالصُّرعة الَّذي يصرع الرِّجال ولا يصرعونَهُ. وفي حديثِ ابنِ مسعود عند مسلم مرفوعًا: «ما تعدُّون الصُّرعة فيكمْ؟ قالوا: الَّذي لا يصرعه الرِّجال» وعند البزَّار بسندٍ حسن، عن أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلعم مرَّ بقومٍ يصطرعون، فقال: «ما هذا؟» قالوا: فلانٌ ما يصارعُ أحدًا إلَّا صرعَهُ. قال: «أفلا أدلُّكم على مَن هو أشدُّ منهُ رجلٌ كلَّمه رجلٌ فكظَمَ(5) غيظهُ، فغلبَهُ وغلبَ شيطانه، وغلبَ شيطانَ صاحبه».
          وحديثُ الباب أخرجه مسلمٌ في «الأدب»، والنَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».


[1] في (ع) و(د): «كلما».
[2] في (د): «عدويك».
[3] في (د): «بضرب».
[4] في (د): «فقد».
[5] في (ع) و(ص) و(د): «وكظم».