إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة

          6032- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى) بفتح العين وسكون الميم، أبو عثمان الضُّبَعيُّ البصريُّ، ثقةٌ مستقيمُ الحديث وليس له في «البخاريِّ» إلَّا هذا، وآخرُ في «الصَّلاة» [خ¦1202] قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ) بفتح المهملة‼ وتخفيف الواو مهموزٌ ممدودٌ، أبو الخطَّاب السَّدوسيُّ المكفوف(1) البصريُّ ثقة، له في «البخاريِّ»(2) هذا الحديث وآخرُ في «المناقب» [خ¦3686] قال: (حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ القَاسِمِ) بفتح الراء وسكون الواو، أبو غياث التَّميميُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ) بن عبد الله التَّيميِّ المدنيِّ الحافظ (عَنْ عُرْوَةَ) بنِ الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (أَنَّ رَجُلًا) قال عبد الغنيِّ بن سعيد في «المبهمات»: هو مَخْرَمةُ بن نَوْفَل والدُ المسور، وقيل: عُيينة بن حصنٍ الفزاريِّ، وكان يقال له: الأحمقُ المطاع، وفي حواشي نسخة الدِّمياطي من «البخاريِّ» بخطِّه الجزم بأنَّه مخرمة (اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ) الجماعة أو القبيلة (وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ) وكان يُظهرُ الإسلامَ ويُخفي الكفر، فأراد صلعم أن يبيِّن حالهُ، وهذا من أعلام النُّبوَّة؛ لأنَّه ارتدَّ بعده صلعم وجيء به أسيرًا إلى أبي بكرٍ ☺ (فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ) بفتح الفوقية والطاء المهملة واللام المشددة بعدها قاف، أي: انشرح وهشَّ (النَّبِيُّ صلعم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ) لِمَا جُبِلَ عليه من حسنِ الخلق، ورجا بذلك تأليفه ليسلم قومُه؛ لأنَّه كان رئيسهم، ولم يواجهه بذلك لتقتدِي أمَّته به في اتِّقاء شرِّ من هو بهذه الصِّفة ليسلم من شرِّه (فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا) تعني: قوله: «بئسَ أخو العشيرة...» إلى آخره، (ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا) بالتشديد، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فاحشًا“ بالتَّخفيف بدل التَّشديد(3) (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) أي: قبيح(4) كلامهِ لأنَّ المذكور كان من جُفَاة الأعراب، وفيه أنَّ من اطَّلع من حال شخصٍ على شيءٍ، وخشي أنَّ غيره يغترُّ بجميلِ ظاهرهِ فيقعُ(5) في محذورٍ ما، فعليه أن يُطلعه على ما يحذر من ذلك قاصدًا نصيحتَه. وقد استُشكل فعله صلعم مع الرَّجل بعد ذلك القول. وأُجيب بأنَّه صلعم لم يمدحْه ولا أثنى عليه في وجههِ فلا مخالفةَ بينهما، وقد قال الخطَّابيُّ ☼ : ليس قوله صلعم في أمَّته بالأمور الَّتي يضيفها إليهم من المكروهِ غيبة، وإنَّما يكون ذلك من بعضِهم في بعض. انتهى.
          وهذا ينبغي تقييدُه بما إذا لم يكن لغرضٍ شرعيٍّ وإلَّا فلا يكون غيبةً، بل ينبغِي ذكره على ما سبق.
          والحديث أخرجه البخاريُّ [خ¦6054] [خ¦6131] أيضًا، ومسلمٌ وأبو داود في «الأدب»، والتِّرمذيُّ في «البرِّ».


[1] قوله: «المكفوف»: ليس في (د).
[2] في (ع): «ليس له في البخاري إلا».
[3] في (ص): «المشددة».
[4] في (د): «قبح».
[5] في (ع): «يقع».