إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لم يكن النبي سبابًا ولا فحاشًا ولا لعانًا

          6031- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَصْبَغُ) بنُ الفرجِ المصريُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله المصريُّ قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ) ولأبي ذرٍّ: ”هو فليحُ بن سليمان“ (عَنْ هِلَالِ ابْنِ أُسَامَةَ) هو هلالُ بن عليٍّ، وهلال بن أبي ميمون، وهو هلالُ بن أسامة نسبَ إلى جدِّه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلعم سَبَّابًا) بتشديد الموحدة (وَلَا فَحَّاشًا) بتشديد الحاء المهملة (وَلَا لَعَّانًا) بتشديد العين، ولأبي ذرٍّ: ”ولا فاحشًا“ بدل فحَّاشًا المشددة(1). وفي «الكواكب» احتمال أن يكون السَّب يتعلَّق بالنَّسب كالقذفِ، والفُحش بالحَسَبِ، واللَّعن بالآخرة؛ لأنَّه(2) البعد(3) عن رحمةِ الله.
          واستُشكل التَّعبير بصيغةِ فعَّال المشدَّدة، وهي تقتضِي التَّكثير، فهي أخصُّ من فاعل، ولا يلزمُ من نفِي الأخصِّ نفيُ الأعمِّ. فإذا قلتَ: زيد ليس بفحَّاش، أي: ليس بكثيرِ الفُحْش مع جواز أن يكون فاحشًا، وإذا قلتَ: ليس بفاحشٍ انتفَى الفُحشُ من أصلهِ، فكيف قال: ولا فحَّاشًا، والنَّبيُّ صلعم لم يتَّصف بشيءٍ ممَّا ذكر أصلًا لا بقليلٍ ولا كثيرٍ؟ أُجيب بأنَّ فعَّالًا قد لا يُراد بها التَّكثير(4) كقول طرفة / :
وَلَسْتُ بِحَلَّالِ التِّلَاعِ مَخَافَةً                     وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدُ القَوْمُ أَرْفِدُ
لا يريد أنَّه قد يَحِلُّ التِّلاع قليلًا؛ لأنَّ ذلك يدفعه آخر البيت الَّذي يدلُّ على نفي الحل(5) على كلِّ حالٍ. أو على النَّسب(6) أي: ليس بذِي فُحْشٍ البتَّة، وكذا باقيها، كقولِ امرئ القيس:
وَلَيْسَ بذِي رُمْحٍ فَيَطْعَنُنِي بهِ                     وَلَيْسَ بِذِي سَيْفٍ ولَيْسَ بِنَبَّالِ
أي بذي نبلٍ، فينتفِي أصلُ الفحشِ، كما يدلُّ عليه رواية: ”ولا فاحشًا“ (كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتَـِبَةِ) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح المثناة الفوقية وكسرها بعدها موحدة، مصدرُ عَتَبَ عليه يَعْتِب عَتَبًا وعِتَابًا ومَعْتَبةً ومُعَاتَبةً. قال الخليلُ: العتابُ مخاطبة الإدلالِ، ومذاكرةُ المَوْجَدَةِ (مَا لَهُ؟) استفهام (تَرِبَ(7) جَبِينُهُ) كلمةٌ جرتْ على لسانِ العرب لا يريدون حقيقتَها، أو دعاء له بالطَّاعة أي: يصلِّي فيتترَّب جبينُه، أو عليه بأن يسقطَ(8) على رأسهِ على الأرض من جهةِ جبينهِ، وهذه الأخيرةُ أوجهُ.


[1] في (ب) و(ص): «المشدد».
[2] في (د): «لأنها هي».
[3] تصحف في (ب): «العبد».
[4] في (ب) و(س): «الكثير».
[5] في (د) و(ع): «البخل».
[6] في (ب) و(س): «هي للنسب».
[7] في (ع): «تربت».
[8] في (د) و(ع): «بالسقط».