إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الرحم شجنة من الرحمن

          5988- وبه قال: (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة آخره دال مهملة، أبو الهيثم البجليُّ الكوفيُّ القَطَوانيُّ _بفتح القاف والطاء المهملة_ قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بن بلال، أبو محمد مولى الصِّدِّيق قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ) المدنيُّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذَكوان السَّمَّان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِنَّ الرَّحِمَ شُـَـِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) بكسر الشين المعجمة مصحَّحًا(1) عليها في الفرع، وسكون الجيم بعدها نون، ويجوز فتح الأول وضمه. قال في «الفتح»: روايةً ولغةً، وأصله عروقُ الشَّجر المشتبكةِ، والشَّجَن / _بالتَّحريك_ واحدُ الشُّجون وهي طرقُ الأوديةِ، ويقال: الحديث شجون، أي: يدخلُ بعضُه في بعضٍ، وسقط قوله: «إنَّ» لأبي ذرٍّ فالرَّحم رفع، وقوله: «من الرَّحمن» أي: اشتقَّ اسمُها من اسم الرَّحمن، فلها به عُلْقَة. وعند النَّسائيِّ من حديث عبد الرَّحمن بن عوف مرفوعًا: «أنَا الرَّحمن خلقْتُ الرَّحم بيدَيَّ وشققْتُ لها اسمًا مِن اسمِي» والمعنى: أنَّها أثرٌ من آثارِ الرَّحمة مشتبكةٌ بها، فالقاطعُ لها منقطعٌ من رحمةِ الله، وليس المعنى أنَّها من ذاتِ الله، تعالى الله عن ذلكَ علوًّا كبيرًا (فَقَالَ اللهُ) تعالى، زاد الإسماعيلي: «لها»، والفاء عطفٌ على محذوفٍ، أي: فقالتْ: هذا مقامُ العائذِ بك من القطيعةِ، فقال الله تعالى: (مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ). قال ابنُ أبي جمرة‼: الوصلُ من الله كنايةٌ عن عظيمِ إحسانهِ، وإنَّما خاطبَ النَّاس بما يفهمونَه(2)، ولمَّا كان أعظم ما يُعطيه المحبوب لمحبوبه(3) الوصال، وهو القربُ منه وإسعافُه بما يريدُ، وكانت(4) حقيقةُ ذلك مستحيلةً في حقِّ الله تعالى، عُرِف أنَّ ذلك كنايةً عن عظيمِ إحسانهِ لعبدهِ. قال: وكذا القولُ في القطعِ، وهو(5) كنايةٌ عن حرمانهِ الإحسان.
          وهذا الحديثُ من أفرادهِ.


[1] في (د): «مصحح».
[2] في (د): «بما كانوا يفهمونه».
[3] في (ب) و(س): «لمحبه»، كذا في «الفتح».
[4] في (د): «وكان».
[5] في (د): «هو»،كذا في «الفتح».