إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث حفصة: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين

          324- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) ولأبي ذَرٍّ كما في «الفتح»‼، وابن عساكر كما في الفرع: ”محمَّد بن سلامٍ“، ولكريمة: ”هو ابن سَلامٍ“ وهو بتخفيف اللَّام، البيكنديُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا) ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ و(1)الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”حدَّثنا“ (عَبْدُ الوَهَّابِ) الثَّقفيُّ (عَنْ أَيُّوبَ) السَّختيانيِّ (عَنْ حَفْصَةَ) بنت سيرين الأنصاريَّة البصريَّة، أخت محمَّد بن سيرين أنَّها (قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا) جمع: عاتقٍ، وهي: من بلغت الحِلْمَ أو قاربته واستحقَّت التَّزويج، فعُتِقت عن قهر أبويها، أو الكريمة على أهلها، أو التي عُتِقت من الصِّبا، والاستعانة بها في مهنة أهلها (أن يَخْرُجْنَ) إلى المُصلَّى (فِي العِيدَيْنِ فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ) لم تُسَمَّ (فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ) كان بالبصرة منسوبٌ إلى خَلَفٍ جدِّ طلحة بن عبد الله بن خَلَفٍ، وهو طَلْحة الطَّلَحات (فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا) قِيلَ: هي أمُّ عطيَّة، وقِيلَ: غيرها (وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا) لم يُسَمَّ أيضًا (غَزَا مَعَ النَّبِيِّ) وللأَصيليِّ: ”مع(2) رسول الله“ ( صلعم ثِنْتَيْ عَشَرَةَ) زاد الأَصيليُّ: ”غزوةً“، قالتِ المرأة: (وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ) أي: مع زوجها أو مع رسول الله صلعم (فِي سِتٍّ) أي: ستِّ غزواتٍ، وفي «الطَّبرانيِّ»: أنَّها غزتْ معه سبعًا (قَالَتْ) أي: الأخت لا المرأة: (كُنَّا) بلفظ الجمع لبيان فائدة حضور النِّساء الغزوات على سبيل العموم (نُدَاوِي الكَلْمَى) بفتح الكاف وسكون اللَّام وفتح الميم، أي:الجرحى (وَنَقُومُ عَلَى المَرْضَى فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ صلعم :أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ) أي: حرجٌ وإثمٌ (إِذَا) وللأَصيليِّ: ”إن“ (لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ) بكسر الجيم وسكون اللَّام ومُوحَّدتين(3) بينهما ألفٌ، أي:خمارٌ واسعٌ كالملحفة تغطِّي به المرأة رأسها وظهرها، أوِ القميص (أَلَّا تَخْرُجَ(4)؟) أي: لئلَّا تخرج، و«أن» مصدريَّةٌ، أي:لعدم خروجها إلى المُصلَّى للعيد (قَالَ) ╕ : (لِتُلْبِسْهَا) بالجزم، وفاعله (صَاحِبَتُهَا) وفي روايةٍ: ”فتلبسُها“ بالرَّفع، وبالفاء بدل اللَّام (مِنْ جِلْبَابِهَا) أي: لِتُعِرْها(5) من ثيابها ما لا تحتاج المُعيرةُ إليه، أو لتُشْرِكها في لبس الثَّوب الذي عليها، وهو مبنيٌّ على أنَّ الثَّوب يكون واسعًا وفيه نظرٌ، أو هو على سبيل المُبالَغة، أي: يخرجن، ولو كانت ثنتان في ثوبٍ واحدٍ (وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ) أي: ولتحضرْ مجالس الخير، كسماع الحديث والعلم وعيادة المريض ونحو ذلك (وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ) كالاجتماع لصلاة الاستسقاء، ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”ودعوة المؤمنين“، قالت حفصة: (فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ) نُسَيْبَةُ بنت الحارث، أو بنت كعبٍ (سَأَلْتُهَا أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ صلعم ) يقول المذكور؟ (قَالَتْ: بِأَبِي) بهمزةٍ ومُوحَّدةٍ مكسورةٍ ثمَّ مُثنَّاة تحتيَّةٍ ساكنةٍ، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”بيبي“ بقلب الهمزة ياءً، ونسبها الحافظ ابن حجرٍ لرواية عُبدوسٍ، وللأَصيليِّ: ”بأبا“ بفتح المُوحَّدة وإبدال ياء المتكلِّم ألفًا، وفيها رابعةٌ: ”بيبا“ بقلب الهمزة ياءً وفتح المُوحَّدة، أي:فديته بأبي أو هو مَفْدِيٌّ(6) بأبي، وحُذِفَ المُتعلّق(7) تخفيفًا / لكثرة الاستعمال، وفي «الطَّبرانيِّ»: بأبي هو وأمِّي (نَعَمْ) سمعته (وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ) أي: النَّبيَّ صلعم ‼(إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي) أي: أفديه أو مفديٌّ بأبي (سَمِعْتُهُ) حال كونه (يَقُولُ: تَخْرُجُ)(8) أي: لتخرج(9)(العَوَاتِقُ) فهو خبرٌ متضمِّنٌ للأمر لأنَّ إخبار الشَّارع عنِ الحكم الشَّرعيِّ متضمِّنٌ للطَّلب، لكنَّه هنا للنَّدب لدليلٍ آخر(10) (وَذَوَاتُ الخُدُورِ) بواو العطف والجمع، ولأبي ذَرٍّ: ”ذوات“ بغير واو العطف، وإثبات واو الجمع صفةٌ لـ «العواتق»، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّوالأَصيليِّ في نسخةٍ(11): ”ذات الخدور(12)“ بغير عطفٍ مع الإفراد، و«الخدور» بضمِّ الخاء المُعجَمة والدَّال المُهمَلة، جمع: خِدْرٍ(13) وهو السِّتر في جانب البيت أو البيت نفسه (أو العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ) على الشَّكِّ، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّوالأَصيليِّ: ”ذات الخِدْر“ بغيرِ واوٍ فيهما(14) (وَالحُيَّضُ) بضمِّ الحاء وتشديد الياء، جمع: حائضٍ، وهو معطوفٌ على «العواتق» (وَلْيَشْهَدْنَ) ولابن عساكر: ”ويشهدن“ (الخَيْرَ) عُطِفَ على «تخرج» المتضمِّن للأمر كما سبق، أي:لتخرج(15) العواتق ويشهدن(16) الخير (وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ وَيَعْتَزِلُ(17)الحُيَّضُ المُصَلَّى) أي: فَيَكُنَّ فيمن يدعو أو(18) يُؤَمِنَّ؛ رجاء بركة المشهد الكريم، و«يعتزلُ» _بضمِّ اللام_ خبرٌ بمعنى الأمر، كما في السَّابق، وخصَّ أصحابنا من هذا العموم: غير ذوات الهيئات والمُستحسنات، أمَّا هنَّ(19) فيُمنَعن لأنَّ المفسدة إذ ذاك كانت مأمونةً بخلافها الآن، وقد قالت عائشة في «الصَّحيح» [خ¦869]: «لو رأى رسول الله صلعم ما أحدث النِّساء لمنعهنَّ المساجد كما مُنِعت نساء بني إسرائيل» وبه قال مالكٌ وأبو يوسف.
          (قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ) لأمِّ عطيَّة: (آلْحُيَّضُ؟!) بهمزةٍ ممدودةٍ على الاستفهام التَّعجبيِّ، من إخبارها بشهود الحُيَّض (فَقَالَتْ) أمُّ عطيَّة: (أَلَيْسَ) الحائض (تَشْهَدُ) واسم «ليس» ضمير الشَّأن، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”أليست“ بتاء التَّأنيث، وللأَصيليِّ: ”أليس(20) يشهدن“ بنون الجمع، أي:الحُيَّض (عَرَفَةَ) أي: يومها (وَكَذَا وَكَذَا) أي: نحو المزدلفة ومنى وصلاة الاستسقاء؟
          ورواة هذا الحديث ما بين بخاريٍّ وبصريٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول والسُّؤال والسَّماع، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «العيدين» [خ¦974]و«الحجِّ» [خ¦1652]، ومسلمٌ في «العيدين»، وأبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابن ماجه في «الصَّلاة».


[1] في غير (ص): «عن»، والمثبت هو الصَّواب.
[2] «مع»: ليس في (د) و(ص).
[3] في (ب) و(س): «بمُوحَّدتين».
[4] في (د): «تجرح»، وهو تصحيفٌ.
[5] في (ص) و(م) و(ج): «لتعيرها».
[6] في (ج): «مَـُفْـَدًِّى».
[7] في (د) و(ص): «المُعلَّق».
[8] في (د): «يخرج».
[9] في (د): «ليخرج».
[10] قوله:«لكنَّه هنا للنَّدب لدليلٍ آخر» سقط من (د) و(ص).
[11] «في نسخةٍ»: مثبتٌ من (م).
[12] «الخدور»: سقط من (د) و(م).
[13] «جمع خدرٍ»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[14] في (م): «فيها».
[15] في (د): «ليخرج».
[16] في (م): «ليشهدن».
[17] في (د): «تعتزل».
[18] في غير (ص) و(م): «و».
[19] في (ص) «إياهنَّ».
[20] في (د): «ألسْنَ».