إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة

          318- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) هو ابن زيدٍ البصريُّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين، مُصغَّرًا (بنِ أَبِي بَكْرٍ) بن أنس بن مالكٍ الأنصاريِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: إِنَّ اللهَ ╡ وَكَّلَ) بالتَّشديد، قال / الحافظ ابن حجرٍ: وفي روايتنا بالتَّخفيف، من: وَكَلَه بكذا إذا استكفاه إيَّاه وصرف أمره إليه (بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ) عند وقوع النُّطفة التماسًا لإتمام الخلقة، أوِ الدُّعاء بإقامة(1) الصُّورة الكاملة عليها أوِ الاستعلام أو نحو ذلك، فليس في ذلك فائدة الخبر ولا لازمه؛ لأنَّ الله تعالى عالم الكلِّ، فهو على نحو قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى }[آل عمران:36] قالته تحسُّرًا وتحزُّنًا إلى ربِّها: (يَا رَبِّ) بحذف ياء المتكلِّم، هذه (نُطْفَةٌ) قال ابن الأثير: هي الماء القليل والكثير، والمُراد بها(2) هنا: المنيُّ، وللقابسيِّ وابن عساكر(3): ”نطفةً“ بالنَّصب على إضمار فعلٍ، أي:خلقت يا ربِّ نطفةً، أو صارت(4) نطفةً (يَا رَبِّ) هذه (عَلَقَةٌ) قطعةٌ مِنَ الدَّم جامدةٌ (يَا رَبِّ) هذه (مُضْغَةٌ) قطعةٌ من اللَّحم، وهي في الأصل قدر ما يُمضَغ، ويجوز نصب الاسمين عطفًا على السَّابق المنصوب بالفعل المُقدَّر، وبين قول الملك: «يا ربِّ نطفةٌ» وقوله: «علقةٌ» أربعون يومًا كقوله: «يا ربِّ مضغةٌ» لا في وقتٍ واحدٍ، وإلَّا تكون النُّطفة علقةً مضغةً في ساعة واحدةٍ(5)، ولا يخفى ما فيه (فَإِذَا أَرَادَ) الله (أَنْ يَقْضِيَ) وللأَصيليِّ: ”فإذا أراد الله أنيقضي“ أي(6): يتمَّ (خَلْقَهُ) أي: ما في الرَّحم من النُّطفة التي صارت علقةً ثمَّ مضغةً، وهذا هو المُراد بقوله: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } وقد عُلِمَ بالضَّرورة أنَّه إذا لم يرِد خَلْقَه تكون غيرَ مُخلَّقةٍ، وهذا وجه مناسبة الحديث للتَّرجمة، وقد صرَّح بذلك في حديثٍ رواه الطَّبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ من حديث ابن مسعودٍ قال: «إذا وقعتِ النُّطفة في الرَّحم بعث الله ملكًا فقال: يا ربِّ مُخلَّقة أو غير مُخلَّقةٍ؟ فإن قال: غير مُخلَّقةٍ مجَّها الرَّحم دمًا» (قَالَ) الملك: (أَذَكَرٌ) هو (أَمْ أُنْثَى؟) أوِ التَّقدير: أهو ذكرٌ أم أنثى؟ وسُوِّغ الابتداء به وإن كان نكرةً لتخصيصه بثبوت أحد الأمرين؛ إذِ السُّؤال فيه عن(7) التَّعيين، وللأَصيليِّ: ”أذكرًا أم أنثى؟“ بالنَّصب بتقدير: أتخلق ذكرًا أم أنثى؟ (شَقِيٌّ) أي: أعاصٍ لك هو (أَمْ سَعِيدٌ؟) مطيعٌ، وحَذَفَ أداة الاستفهام لدلالة السَّابق وللأَصيليِّ: ”شقيًّا أم سعيدًا؟“(8)(فَمَا الرِّزْقُ) أي(9): الذي ينتفع به؟ (وَ) ما (الأَجَلُ؟) أي: وقت الموت أو مدَّة الحياة إلى الموت؛ لأنَّه يُطلَق على المُدَّة وعلى غايتها‼، وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”وما الأجل“ بزيادة «ما»، كما وقع في «الشَّرح» (فَيُكْتَبُ) على صيغة المجهول، أي:المذكور، والكتابة إمَّا حقيقةً أو مجازًا عن التَّقدير، وللأَصيليِّ: ”قال: فيكتب“ (فِي بَطْنِ أُمِّهِ) ظرفٌ لقوله: «يكتب»، أو أنَّ الشَّخص مكتوبٌ عليه في ذلك الظَّرف، وقد رُوِي أنَّها تُكْتَب على جبهته.
          ورواة هذا الحديث الأربعة بصريُّون، وفيه التَّحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «خلق آدم» [خ¦3333] وفي «القدر» [خ¦6595]، ومسلمٌ فيه.


[1] في (د): «بإفاضة».
[2] في (ص): «به».
[3] «وابن عساكر»: مثبتٌ من (د) و(م).
[4] في (ب) و(د): «صار».
[5] في (م): «وقت واحد».
[6] في (م): «أن».
[7] «عن»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[8] قوله:«وللأَصيليِّ: شقيًّا أم سعيدًا؟» سقط من (ص).
[9] «أي»: ليس في (ص) و(م).