إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن جبير: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح

          966- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى) الطَّائيُّ الكوفيُّ، كنيته (أَبُو السُّكَيْنِ) بضمِّ المهملة وفتح الكاف مُصغَّرًا (قَالَ: حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ) بضمِّ الميم وبالمهملة وبعد الألف والرَّاء المكسورة مُوحَّدةٌ، عبد الرَّحمن بن محمَّدٍ، لا ابنه عبد الرَّحيم (قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوْقَةَ) بضمِّ المُهمَلة وسكون الواو وفتح القاف، التَّابعيُّ الصَّغير، الكوفيُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ (حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ) بإسكان الخاء المعجمة(1) وفتح الميم ثمَّ صادٍ مُهمَلةٍ، ما دخل من القدم فلم يصب الأرض عند المشي (فَلَزِقَتْ) بكسر الزَّاي (قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا) أُنِّث الضَّمير مع عوده إلى السِّنان المُذكَّر(2)، إمَّا باعتبار إرادة الحديدة، أو السِّلاح لأنَّه مُؤنَّثٌ، أو هو راجعٌ إلى القدم، فيكون من باب القلب كما في: أدخلت الخفَّ في الرِّجْل. (وَذَلِكَ)‼ أي: وقوع الإصابة (بِمِنًى) بعد قتل عبد الله بن الزُّبير بسنةٍ (فَبَلَغَ الحَجَّاجَ) بن يوسف الثَّقفيَّ، وكان إذ ذاك أميرًا على الحجاز (فَجَعَلَ يَعُودُهُ) جعل: من أفعال المقاربة الموضوعة(3) للشَّروع في العمل، و«يعوده» خبره، ولأبي ذَرٍّ وابن عساكر عن المُستملي: ”فجاء يعوده“ والجملة حاليَّةٌ (فَقَالَ الحَجَّاجُ) له: (لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ) عاقبناه، ولأبي الوقت عن الحَمُّويي والمُستملي كما في الفرع، وقال العينيُّ كالحافظ ابن حجرٍ: ولأبي ذَرٍّ بدل: أبي الوقت: ”ما أصابك؟“ (فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) للحجَّاج: (أَنْتَ أَصَبْتَنِي) نسب الفعل إليه لأنَّه أمر رجلًا معه حربةٌ يُقال: إنَّها كانت مسمومةً، فلصق ذلك الرَّجل به، فَأَمَرَّ الحربة على قدمه، فمرض منها أيَّامًا ثمَّ مات، وذلك في سنة أربعٍ وسبعين، وكان سبب ذلك: أنَّ عبد الملك كتب إلى الحجَّاج: ألَّا يخالف ابن عمر، فشقَّ عليه ذلك، وأمر ذلك الرَّجل بما ذكر، حكاه الزُّبير(4) في «الأنساب». وفي «كتاب الصَّرِيفِينِيِّ»: لمَّا أنكر عبد الله على الحجَّاج نصب المنجنيق، يعني: على الكعبة، وقتل عبد الله بن الزُّبير، أمر الحجَّاج بقتله، فضربه رجلٌ من أهل الشَّام ضربةً، فلمَّا أتاه الحجَّاج يعوده قال له عبد الله: تقتلني ثمُّ تعودني؟ كفى الله حَكَمًا بيني وبينك، فصرَّح بأنَّه(5) أمر بقتله، وأنَّه قاتله، بخلاف ما حكاه الزُّبير(6) فإنَّه غير صريحٍ. (قَالَ) الحجَّاج: (وَكَيْفَ) أصبتك؟ (قَالَ) ابن عمر له / : (حَمَلْتَ السِّلَاحَ) أي: أمرت بحمله (فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ) السِّلاح، وهو يوم العيد (وَأَدْخَلْتَ السِّلَاحَ الحَرَمَ) المكِّيَّ، ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”في الحرم“ (وَلَمْ يَكُنِ السِّلَاحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ) بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة مبنيًّا للمفعول، أي: فخالفت السُّنَّة في الزَّمان والمكان.
           وفيه: أنَّ قول الصَّحابيِّ: كان يُفعَل كذا _مبنيًّا للمفعول_ له حكم الرَّفع.
          ورواة هذا الحديث كوفيُّون، وفيه: تابعيٌّ عن تابعيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلِّف من أفراده، وأخرجه أيضًا في «العيدين» [خ¦967].


[1] «المعجمة»: ليس في (د).
[2] في (م): «المذكور».
[3] في (ص): «الموضوع».
[4] في (ب) و(س): «الزُّبيريُّ»، وكذلك في الموضع اللَّاحق، والمثبت موافقٌ لما في كتب التَّراجم.
[5] في غير (د) و(م): «أنَّه».
[6] في (ب) و(س): «الزبيري».