إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كان يصلي في الأضحى والفطر

          957- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) الحِزَامِيُّ، بكسر الحاء المهملة وبالزَّاي المُخفَّفة (قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ) ولأبوي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”أنس بن عياضٍ“ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بالتَّصغير، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمريِّ المدنيِّ (عَنْ نَافِعٍ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☻ ، وسقط «عبد الله» لابن عساكر: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يُصَلِّي فِي) عيد (الأَضْحَى وَ) عيد (الفِطْرِ) ولأبي ذَرٍّ: ”في الفطر‼ والأضحى“ (ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ) صرَّح بتقديم الصَّلاة، فهو مطابقٌ للجزء الثَّاني من التَّرجمة، وقد اختُلِف في أوَّل مَنْ غَيَّرَ هذا فقدَّم الخطبة على الصَّلاة، وحديث مسلمٍ عن طارق بن شهابٍ عن أبي سعيدٍ صريحٌ: أنَّه مروان بن الحكم(1)، وقِيلَ: معاوية، رواه عبد الرَّزَّاق. وقِيلَ: زيادٌ، والظَّاهر أنَّ مروان وزيادًا فعلا ذلك تبعًا لمعاوية لأنَّ كلًّا منهما كان عاملًا له، وقِيلَ: بل سبقه إليه عثمان لأنَّه رأى ناسًا(2) لم يدركوا الصلاة فصار يقدِّم الخطبة، رواه ابن المنذر بإسنادٍ صحيحٍ إلى الحسن البصريِّ، وهذه العلَّة غير الَّتي اعتلَّ بها مروان لأنَّه راعى مصلحتهم في استماع(3) الخطبة، لكن قِيلَ: إنَّهم كانوا في زمنه يتعمَّدون ترك سماع خطبته لِما فيها من سبِّ من لا يستحقُّ السَّبَّ، والإفراط في مدح بعض النَّاس، فعلى هذا إنَّما راعى مصلحة نفسه، وأمَّا عثمان فراعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصَّلاة، على أنَّه يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانًا بخلاف مروان، فواظب على ذلك فنُسِبَ إليه، وقِيلَ: عمر بن الخطَّاب، رواه عبد الرَّزَّاق وابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ، لكن يعارضه حديث ابن عبَّاسٍ [خ¦962] المذكور في الباب الَّذي بعده، وكذا حديث ابن عمر [خ¦963] فإن جُمِع(4) بوقوع ذلك نادرًا، وإلَّا فما في «الصَّحيحين» أصحُّ، أشار إليه في «الفتح»، وقد تقدَّم قريبًا في آخر الباب السَّابق: أنَّه لا يُعتَدُّ(5) بالخطبة إذا تقدَّمت على الصَّلاة، فهو كالسُّنَّة الرَّاتبة بعد الفريضة إذا قدَّمها عليها، فلو لم يُعِد الخطبة لم تلزمه إعادةٌ ولا كفَّارةٌ، وقال المالكيَّة: إن كان قريبًا أمر بالإعادة، وإن بَعُدَ فات التَّدارك، وهذا بخلاف الجمعة إذ لا تصحُّ إلَّا بتقديم الخطبة؛ لأنَّ خطبتها شرطٌ لصحَّتها، وشأن الشَّرط أن يُقدَّم.
          ورواة هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون، وشيخ المؤلِّف من أفراده، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول.


[1] «ابن الحكم»: مثبتٌ من (م).
[2] في (د): «أناسًا».
[3] في (ب): «باستماع». وفي «الفتح»: «في إسماعهم».
[4] جمع؛ أي بين القولين.
[5] في (ل): «لا يعيد».