الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: {وعلى الوارث مثل ذلك}

          ░14▒ (باب: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233])
          قال ابن بطَّالٍ ما ملخَّصه: اختَلف السَّلف في المراد بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] فقال ابن عبَّاسٍ: عليه ألَّا يضارَّ، وبه قال الشَّعبيُّ ومجاهدٌ، والجمهور قالوا: ولا غُرْم على أحدٍ مِنَ الوَرَثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال آخرون: على مَنْ يرث الأبَ مثلُ ما كان على الأب مِنْ أجر الرَّضاع إذا كان الولد لا مال له.
          ثُمَّ اختلفوا في المراد بالوارث فقال الحسنُ والنَّخَعيُّ: هو كلُّ مَنْ يرث الأب مِنَ الرِّجال والنِّساء، وهو قول أحمد وإسحاق، وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو مَنْ كان ذا رحمٍ مَحْرمٍ للمولود دون غيره، وقال زيد بن ثابتٍ: إذا خلَّف أُمًّا وعمًّا فعلى كلٍّ منهما إرضاع الولد بقدْر ما يَرِث، وبه قال الثَّوريُّ.
          قال ابن بطَّالٍ: وإلى هذا القول أشار البخاريُّ بقوله: (وهل على المرأة منه شيءٌ؟) ثُمَّ أشار إلى ردِّه بقوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} [النحل:76] فنزَّل المرأة مِنَ الوارث منزلة الأبكم مِنَ المتكلِّم. انتهى مختصرًا مِنَ «الفتح».
          وقال الكَرمانيُّ: قال شارح «التَّراجم»: مقصود البخاريِّ الرَّدُّ على مَنْ أوجب النَّفقة والإرضاع(1) على الأمِّ بعد الأب، وذلك لأنَّ الأمَّ كَلٌّ على الأب، ومَنْ تجب النَّفقة له كيف تجب عليه لغيره؟ وحمل حديث أمِّ سلمة على التَّطوُّع، لقوله: (لك أجرٌ) وحديث هندٍ إذ(2) أباح لها أخذها مِنْ ماله، دلَّ عليه سقوطها عنه فكذلك بعد وفاته، قال: وفي استدلاله نظرٌ... إلى آخر ما بسطه. انتهى مختصرًا مِنْ «هامش اللَّامع».
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ} [البقرة:233] عطفٌ على قوله: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة:233] أي: وعلى وارث الصَّبيِّ عند عدم الأب مثلُ الَّذي كان على أبيه في حياته مِنَ الرِّزق والكسوة وأجر الرَّضاع إذا كان الولد لا مال له.
          واختُلف في الوارث، فعند ابن أبي ليلى: كلُّ مِنْ وَرِثَه، وهو قول أحمد، وعند الحنفيَّة: مَنْ كان ذا رحمٍ مَحْرمٍ منه، وقال الجمهور: لا غُرْم على أحدٍ مِنَ الوَرَثة، ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال زيد بن ثابتٍ: إذا خلَّف أُمًّا وعمًّا فعلى كلِّ واحدٍ منهما إرضاع الولد بقدْر ما يَرث، وإليه أشار المؤلِّف بقوله: (وهل على المرأة؟) / أي: الأمِّ (منه) أي: مِنْ إرضاع الصَّبيِّ (شيءٌ) و(هل) هنا(3) للنَّفي، وأشار به إلى الرَّدِّ على قول زيدٍ، ثُمَّ قال القَسْطَلَّانيُّ بعد حديث الباب: وغرض المؤلِّف أنَّه لمَّا لم يلزم الأمَّهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم مستمرٌّ بعد الآباء، ويقوِّيه قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة:233] أي: رزقُ الأمَّهات وكسوتهنَّ مِنْ أجل الإرضاع للأبناء، فكيف يجب لهنَّ في أوَّل الآية ويجب عليهنَّ نفقة الأبناء في آخرها؟! قاله في «الفتح». [انتهى].


[1] في (المطبوع): ((الإرضاع)) بلا واو.
[2] في (المطبوع): ((إذا)).
[3] في (المطبوع): ((هاهنا)).