الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب صفة النار وأنها مخلوقة

          ░10▒ (باب: صِفة النَّار وأنَّها مخلوقة)
          القول فيه: كالقول: (في باب صفة الجنَّة) سواء.
          قوله: (غسَّاقًا...) إلى آخره، قال الحافظ: وهذا مأخوذ مِنْ كلام أبي عبيدة، فإنَّه قال في قوله تعالى: {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ:25] الحميم: الماء الحارُّ، والغسَّاق: ما هَمَى وسَالَ، والمراد في الآية ما سال مِنْ أهل النَّار مِنَ الصَّديد، وقيل: مِنْ دموعهم، وقيل: الغسَّاق البارد الَّذِي يحرق ببرده، قال أبو عبيد الهَرَويُّ: مَنْ قرأه بالتَّشديد أراد السّضائل، ومَنْ قرأه بالتَّخفيف أراد البارد... إلى آخر ما في «الفتح».
          وقول البخاريِّ: (كأنَّ الغسَّاق) كتب عليه مولانا محمَّد حسن المكِّيُّ في «تقريره»: مِنْ دأب البخاريِّ إذا لم يتحقَّق عنده مِنْ كُتبِ اللُّغة معنى لفظ أو غيره كالتَّرادف ونحوه، بل يقول ذلك مِنْ رأيه يصدره بـ(كأنَّ). انتهى.
          قوله: (الحُمَّى مِنْ فيح جهنَّم فأبردوها بالماء) قالَ العلَّامةُ السِّنْديُّ: يحتمل أن يكون كناية عن تغطية المحموم / والسَّعي في خروج العَرَق منه بما أمكن على أنَّ المراد بالماء العَرَق المعلوم بأنَّه يبرد الحمَّى، ويحتمل أن يكون كناية عن الاشتغال بما يستحقُّ منه المحموم الرَّحمة مِنَ التَّصدُّق وغيره مِنْ أعمال البرِّ على أنَّ المراد بالماء ماءُ الرَّحمة المعارِضُ لنار جهنَّم، وقد حمله بعضهم على التَّصدُّق بالماء، والله تعالى أعلم.
          وللشُّرَّاح معانٍ وتأويلاتٌ مشهورة. انتهى.
          وبسط الكلام على معناه أيضًا في «الأوجز».
          قوله: (لو أتيت فلانًا فكلَّمته...) إلى آخره، كتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: وحاصل كلامه أنَّكم تظنُّون أنِّي أكلِّمه في ذلك جهرةً، لا والله لا أفعلُ ذلك فأفتحَ به بابًا مِنَ الفتنة، وهذا إذا كان المراد بالكلام هو الكلام فيما يُستقبل، ويمكن أن يكون المراد أنَّكم تزعمون أنِّي لم أكلِّمه فيما مضى، لأنَّكم لم ترَوني كلَّمتُه، مع أنَّ الأمر ليس كذلك، بل إنِّي أكلِّمه في ذلك الباب سرًّا، ولا يمنعني كونُ أحدٍ أميرًا على أن أقول: إنَّه خير، فلا أنصحه ولا آمره بالمعروف.
          قوله: (ولا أقول لرجل: إن كان على أمير(1)) يعني بذلك أنَّ عثمان ☺ لا شكَّ أنَّه مِنَ المبشَّرين بالجنَّة إلَّا أنَّه ليس معصومًا حتَّى آمَنَ عليه الخطأَ، فلعلَّ أن تأخذه العصبيَّة والحميَّة إذا أمرتُه بشيء ممَّا يخالف طبعه أو يثقل عليه، وقد سمعت منه صلعم ما يدلُّ على أنَّ كثيرًا مِنَ الأمراء يأمر ولا يأتمر وينهى ولا ينتهي، وعثمان ☺ وإن لم يكن مِنْ جملتهم لكنَّه يُخاف عليه أن تأخذه العصبيَّة لأنَّه بشرٌ وليس معصومًا، فافهم.
          فإنَّه دقيق. انتهى.
          وبسط في «هامشه» الكلام في شرح هذا الحديث مِنْ كلام الشُّرَّاح، ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ ظاهر كلام الشُّرَّاح قاطبةً وكذا كلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه والمشايخ أنَّ المراد بالرَّجل في قوله: (ولا أقول لرَجل...) إلى آخره هو عثمان ☺ ، ثمَّ بعد ذلك أوَّلوا وعيد الحديث في شأن عثمان.
          والأوجَهُ عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ مصداق الأمير هو الوليد، والمعنى: أنَّ كون الوليد أميرًا لا يمنعني أن أكلِّم فيه بعد أن سمعت هذا الوعيد الشَّديد، وعلى هذا فيكون مورد الحديث هو الوليد، فحينئذٍ لا يُشْكِل الحديث بمناقب عثمان ☺ ، فتأمَّلْ.
          فإنَّه لطيف.
          قوله: (فيجتمع أهل النَّار عليه...) إلى آخره، ظاهرُه رواية(2) أهلِ النَّار المعذَّبَ وإن كان مسلمًا مع أنَّ المسلمين لا يعذَّبون بمحضرٍ مِنَ الكفَّار، قال الرَّازيُّ في تفسير قوله تعالى: {لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} الآية [التَّحريم:8]، يجوز أن يعذِّبهم بحيث لا يراه الكفرة، لكنَّ صريح روايات «مسند أبي حنيفة» وما في «حاشيته» مِنَ الرِّوايات الكثيرة يؤيِّد الأوَّل، فتأمَّلْ.


[1] في (المطبوع): ((عليَّ أميرًا)).
[2] في (المطبوع): ((رؤية)).