الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده}

          ░1▒ (باب: مَا جَاء فِي قَوْل الله ╡: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثمَّ يُعِيدُهُ} [الروم:27])
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: المقصود مِنْ هذا الباب إثبات أنَّه ليس شيء سِواه تبارك وتعالى قديمًا، بل الكلُّ مُحْدَثٌ ومَخْلُوق. انتهى.
          قال الحافظ: قوله: (كلٌّ عليهِ هَيِّن) أي: البدء والإعادة، أي: وإنَّهما حَمَلا أهْوَنُ على غير التَّفضيل، وأنَّ المراد بها الصِّفة، كقوله: الله أكبر، وأثر الحسن روى الطَّبَريُّ مِنْ طريق قتادة، وأظنُّه عن الحسن، ولكنَّ لفظه: ((وإعَادَته أهون عليه مِنْ بَدْئِهِ، وكلٌّ على اللهِ هَيِّن)) وظاهر هذا اللَّفظ إبقاء صيغة أفعل على بابها، وكذا قال مجاهد، وقد ذكر عبد الرَّزَّاق في «تفسيره» أنَّ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كان يقرؤها: ▬وهو عليه هيِّن↨وحُكي عن ابن عبَّاسٍ أنَّ الضَّمير للمخلوق لأنَّه ابتدئ نطفة ثمَّ علقة ثمَّ مضغة، والإعادة أن يقول له: (كن فيكون) فهو أهون على المخلوق، ولا يثبت هذا عن ابن عبَّاسٍ، بل هو مِنْ تفسير الكلبيِّ. انتهى.
          وقال(1) القَسْطَلَّانيُّ: ثمَّ أشار المؤلِّف إلى قوله تعالى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [ق:15] أي: (أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا حِينَ أَنشَأَكُم وأنشَأَ خَلْقَكُم) أي: ما أعجزَنا الخلقُ الأول حين أنشأكم وأنشأنا خلقكم حتَّى نعجز عن الإعادة، والهمزة فيه للإنكار، وعدل عن التَّكلُّم في قوله: (أنشأناكم) إلى الغيبة التفافًا(2).
          قالَ الكَرْمانيُّ: والظَّاهر أنَّ لفظ (حين أنشأكم) إشارة إلى آية أخرى مستقلَّة، و (أنشأ خلقكم) إلى تفسيره، وهو قوله تعالى: {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [النجم:32] فنقله البخاريُّ بالمعنى حيث قال: (حين أنشأكم) بدل {إِذْ أَنْشَأَكُمْ} ، أو هو محذوف في اللَّفظ واستغنى بالمفسِّر عن المفسَّر. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: قوله: (أفاعيا...) إلى آخره أشار بذلك إلى أن كلمة (عَيِينا) صارت متعدِّية بالباء في الخلق الأول، وكأنَّ المعنى: أَفَأعْيَا علينا خلقكم حين أنشأناكم؟ لكنَّه حذف الفاعل استغناء بدلالة الظَّرف عليه، وأقام النَّائب مُقام المتكلِّم رعاية لما ورد في الآية الأخرى، ثمَّ لما ذكر الإنشاء ذكر معناه، فقال: (أنشأ، أي: خلق) لكنَّه لمَّا كان المذكور في الآية {أَنْشَأَكُمْ} أورد في التَّفسير أيضًا خلقكم، ولم يكتف بقوله: خلق فقط. انتهى.
          قوله: (لغُوب: النَّصَب) أي: تفسير قوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] أي: مِنْ نَصَب، والنَّصَب: / التَّعب وزنًا ومعنًى، وهذا تفسير مجاهد فيما أخرجه ابن أبي حاتم، وغفل الدَّاوديُّ الشَّارح، فظنَّ أنَّ النَّصَب في كلام المصنِّف بسكون الصَّاد، وأنَّه أراد ضبط اللُّغوب، فقال متعقِّبًا عليه: لم أرَ أحدًا نصب اللَّام في الفعل، قال: وإنَّما هو بالنَّصْب الأحمقُ.
          قوله: (أطوارًا...) إلى آخره، يريد تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح:14]، والأطوار: الأحوال المختلفة، واحدها طَور بالفتح، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبَّاسٍ في معنى الأطوار كونَه مرَّة نُطْفَة، ومرَّة علقة... إلى آخره وأخرج الطَّبَريُّ عن ابن عبَّاسٍ وجماعة نحوه، وقال: المراد به اختلاف أحوال الإنسان مِنْ صحَّة وسَقَم، وقيل: معناه أصنافًا في الألوان واللُّغات. انتهى.
          وزاد العينيُّ: قال ابن الأثير: الأطوار: التَّارات والحدود، واحدها طَور، أي: مرَّة مَلَك ومرَّة هَلَك ومرَّة بُؤْس ومرَّة نِعَم. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وسيأتي هذا القول في البخاريِّ في سورة نوح مِنْ كتاب التَّفسير، ولم يتعرَّض الحافظ لقوله: (عدا طوره، أي: قدره)، وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: يعني بذلك أنَّه في الأصل للقدر، ثمَّ صار معناه قدرًا مِنَ الزَّمان أو غيره. انتهى.
          وفي «تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ»: قوله: (عدا طوره) أي: <<بر هـ كيا اند از ايني سي>>. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((قال)).
[2] في (المطبوع): ((التفاتًا)).