التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون

          ░13▒ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الِاحْتِيَالِ فِي الفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ
          6973- ذَكَرَ فيه حديثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعةَ، أَنَّ عُمَرَ ☺: خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فلمَّا جَاءَ سَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّأْمِ. الحديث.
          6974- وحديثَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّه سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحدِّثُ سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم ذَكَرَ الْوَجَعَ فَقَالَ: (رِجْزٌ _أَوْ: عَذَابٌ_ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يُقْدِمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلَا يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ).
          الشَّرحُ: (الوَبَاءَ) يُمدُّ ويُقصَرُ، وجَمْعُ المقصورِ أوباء وجمعُ الممدودِ أَوْبِئَةٌ. والفرارُ مِن الطَّاعونِ غيرُ جائزٍ ولا يتحيَّلُ في الخروجِ في تجارةٍ أو زيارةٍ أو شبههِما ناويًا بذلك الفِرارَ منه، ويبيِّنُ هذا المعنى قولُه ◙: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات)) والمعنى في النَّهْيِ عن الفِرارِ منه كأنَّه يَفِرُّ مِن قَدَرِ اللهِ وقضائِه، وهذا لا سبيلَ إليه لِأَحدٍ لأنَّ قَدَرَهُ لا يُغْلَبُ. وقد سَلَفَ الكلامُ في معنى هذا الحديثِ في كتابِ المرضى والطِّبِّ، في باب مَن خرج مِن أرضٍ لا تُلَائمُه [خ¦5727].
          فَصْلٌ: فيه قَبولُ خبرِ الواحدِ، وقولُه: ((لاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ)) يريدُ أنَّ مقامَكم بالموضعِ الَّذي لا وباءَ فيه أسكنُ لنفوسِكم وأطيبُ لعيشتكم.
          وفيه أنَّه قد يُوجد عند بعضِ العلماء ما ليس عندَ أكثر منه في العلم، قيل: وفيه دليلٌ على صِحَّةِ قولِ ابنِ الطَّيِّبِ: إنِّ الصَّحابةَ أجمعوا على تَقْدِمة خبرِ الواحد على قياسِ الأصول، وفسادِ قولِ مَن قدَّم قياسَ الأصولِ على الخبرِ لِرجوعِ جميعِهم إلى خبرِ عبدِ الرَّحمن.
          ورَوَى أبو موسى الأشعريُّ ☺ أنَّه كان يَبعث بنيهِ إلى الأعرابِ مِن الطَّاعُونِ، ورُوِيَ نحوُه عن عَمْرو بن الأشعثِ وأبي الأسود بن هلالٍ ومَسْرُوقٍ، ورُوي أنَّ أبا عُبَيدة استقبل عُمَرَ ☻ فقال: جئتَ بأصحابِ رسولِ الله صلعم تُدخِلُهم أرضًا فيها الطَّاعونُ الَّذين هم أئمَّةٌ يُقتدَى بهم؟ فقال عُمَرُ ☺: يا أبا عُبَيدَةَ، شككْتَ؟ فقال: أَشَكًّا؟ فقال أبو عُبَيدة: كأنَّ يَعْقُوبَ إذْ قالَ لبنيهِ: {لاَ تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} [يُوسُفَ:67] فقال عُمَرُ: واللهِ لَأَدْخُلَنَّها، فقال أبو عُبَيدة: واللهِ لا تدخُلُها، فَرَدَّهُ.