التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر

          ░12▒ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنِ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ، وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلعم فِي ذَلِك
          6972- ثمَّ ساقَ حديثَ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ صلعم يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ والْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ جَازَ عَلَى نِسَائِه). الحديث سلف في النِّكاح [خ¦5216].
          يُقالُ: جازَ الوادِي جَوَازًا وأَجَازَه قَطَعَهُ، وقال الأصْمَعِيُّ: جازَهُ مَشَى فيه، وأَجَازَهُ قَطَعه وخلَّفَه، وأَجَزْتُ عليه أي نَفَذْتُ، وكذلك جُزْتُ عليه. وذكرَهُ ابنُ التِّين بلفْظِ (جَازَ) وقال: كذا وقع في «المجمَلِ» و«الصِّحاح» وجُزْتُ الموضِعَ سَلَكْتُهُ وسِرْتُ فيه، وأَجَزْتُهُ خَلَّفْتُه وقَطَعْتُه.
          و(الحَلْوَاءَ) تُمَدُّ وتُقْصَرُ. قال الدَّاوُدِيُّ: يريدُ التَّمْرَ وشِبْهَهُ. قال: وقولُه هنا إنَّ الَّتي سَقَتِ العسلَ حَفْصةُ، غَلَطٌ لأنَّ حَفْصةَ هي الَّتي تظاهرتْ مع عَائِشَةَ في هذِه القِصَّة، وإنَّما شَرِبَهُ عند صفيَّةَ بنتِ حييٍّ، وقيل عند زينبَ، وقد سلف الخُلْفُ في ذلك في التَّفسيرِ وأنَّ الأصحَّ أنَّها زينبُ.
          والمَغَافِيرُ: جَمْعُ مُغْفُورٌ ويُروَى بالثَّاءِ كما قال الدَّاوُدِيُّ، قال ابن التِّين: ورُوِّينا: <مَغَافِيرًا> هنا مصروفًا، وهو جائزٌ ألَّا يُصْرَفَ أيضًا مثل سلاسلَ وقواريرَ، وقد سلفَ تفسيرُ المغافير في الأَيمان في باب إذا حرَّم طعامًا، والتَّفسيرِ، وما فيه مِن الغريبِ في الطَّلاقِ في بابِ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَك}.
          و(جَرَسَتْ) أَكَلَتْ، ومنه قيل للجَمَلِ جَرَّاس، وقال الدَّاوُدِيُّ: جَرَسَتْ يعني تَغَيَّرَ طَعْمُ العَسَلِ لشيءٍ يأكلُهُ النَّحل، قال: و(العُرْفُطَ) موضعٌ، والَّذي ذَكَرَهُ غيرُه أنَّه شجرٌ مِن العِضَاه يَنْضَحُ المُغْفُورَ، وثمرتُهُ بيضاءُ مدحْرَجَةٌ. قال الجَوْهَرِيُّ: / وبَرَمَةُ كلِّ العِضَاهِ صفراءُ إلَّا العُرْفُطَ فَبَرَمَتُهُ بيضاءُ.
          وقولُها: (أَلَا أسْقِيكَ مِنْهُ) تُقرأ بِضَمِّ الهمزةِ وفتْحِها، وجمعهما لَبِيدٌ في قولِه:
سَقَى قَوْمِي بَني مَجْدٍ، وأَسْقى                     نُمَيْرًا، والقبائلَ مِنْ هِلالِ
          وفي «الصِّحاح»: سَقَيْتُهُ لِشَفَتِه، وأَسْقَيْتُهُ لماشيتهِ.
          فَصْلٌ: فيه جوازُ اجتماعِ الرَّجُلِ مع إحدى نسائِه في يومِ الأُخرى في النَّهارِ؛ لأنَّ القِسمةَ الَّتي يُقضَى بها للنِّساءِ على الرِّجالِ هو اللَّيلُ دون النَّهار، وأمَّا الجِمَاعُ فسواءٌ في اللَّيلِ والنَّهارِ فلا يجوز أن يُجامِعَ امرأةً في يومِ الأخرى، وأمَّا دخولُه بَيْتَ مَن ليس يومُها فمباحٌ وجائزٌ له أن يأكُلَ ويشربَ في بيتِها في غيرِ يومِها ما لم يكن الغداءَ المعروفَ أو العشاءَ المعروفَ كما قاله ابنُ بطَّالٍ، وليس لسائرِ النِّساءِ مَنْعُ الزَّوجِ مِن غيرِ ما ذكرناه.
          ومعنى التَّرجمةِ ظاهرٌ في الحديث إلَّا أنه لم يَذكُرْ ما نَزَلَ على رسولِ الله صلعم وهو قولُه تعالى: {يَا أَيُّها النَّبيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَك} [التحريم:1] لَمَّا قال: ((شرِبْتُ عَسَلًا ولن أعودَ)) وقيل: إنَّما حرَّم جارِيَتَه ماريَّةَ، حَلَف أَلَّا يَطَأَها، وأسرَّ ذلك إلى حَفْصةَ فأفْشَتْه إلى عَائِشَةَ ونَزَلَ القرآن في ذلك.