التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: في الصلاة

          ░2▒ بَابٌ فِي الصَّلاةِ
          6954- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ السَّالِفَ: (لَا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) [خ¦135].
          معنى هذا البابِ الرَّدُّ على أبي حنيفةَ في قولِه: إنَّ المحدِثَ في صَلَاتِه يَتَوضَّأُ ويبني على ما تقدَّمَ، وهو قولُ ابنِ أبي ليلى، وقال مالكٌ والشَّافعِيُّ في الجديد: يستأنِفُ، محتجَّيْنِ بهذا الحديثِ، وبقولِه: ((لا صلاةَ إلَّا بِطَهُورٍ)) ثمَّ هو في حالِ الانصِرافِ غيرُ مُصَلٍّ لانتفاء طهارتِه فامتنع البناءُ، وكلُّ حدَثٍ مَنَعَ الابتداءَ منعَ البناءَ، يُوَضِّحه سبْقُ المنيِّ فكذا غيرُه، وقد اتَّفقْنا على المنع مِن الدَّوام وكذا البناء.
          فإنِ احتجَّ الكوفيُّ بالرَّاعفِ وأنَّه يبنِي. قيل: الرُّعافُ عندنا لا يُنَافي حُكْمَ الطَّهارةِ والحدَثُ ينافيها، أَلَا ترى أنَّ متعمِّدَه لا تَنتَقِضُ طهارتُه في غير الصَّلاةِ كَمَا لَوْ بدَرَهُ، والحَدَثُ على الوجهينِ يُنافيها، أَلَا ترى أنَّكم لم تُفَرِّقوا بين تَعَمُّدِ الحدَثِ وسَبْقِه في النَّقضِ، وفرَّقتم بين تَعَمُّدِ المنيِّ والرُّعافِ وغَلَبَتِهِ في الصَّلاةِ، وفرَّقتم بين الإحداثِ في الصَّلاةِ، فقلتم: إذا غلبَهُ المنيُّ اغتسلَ واستأنفَ، وإذا غلبَهُ الحدَثُ الأصغرُ بَنَى، وفرَّقنا نحنُ بين الحدَثِ وبين ما ليس بحَدَثٍ.
          وهذا الحديثُ أيضًا يَرُدُّ على أبي حنيفةَ أنَّ مَن قَعَدَ في الجلسة الأخيرة مقدارَ التَّشهُّدِ ثمَّ أحدَثَ فصلاتُهُ تامَّةٌ، ذهب إلى أنَّ التحلُّلَ مِن الصَّلاةِ يقعُ بما يُضادُّها مِن قولٍ أو فعلٍ ولا يتعيَّنُ بِالسَّلامِ. وخالفَه في هذا سائرُ العلماءِ فقالوا: لا تَتِمُّ الصَّلاةُ إلَّا بالسَّلامِ، ولا يجوزُ التَّحلُّلُ بما يُفْسِدُها إلَّا إذا اعترضَ في خلالِها على طريق النِّسيانِ، كالحجِّ لا يجوز أن يقع التحلُّل منه بالجِمَاع لأنَّه لو طرأ في خِلالِه فسَدَ، فكذلك الصَّلاةُ لو أحدَثَ في خلالِها ناسيًا لأفسَدَها فلا يتحلَّلُ منها بِتَعمُّدِ الحَدَث.
          ورُوي عن ابنِ القاسم كقولِ أبي حنيفةَ، ذَكَرَهُ عنه في «المنتقى» فيما حكاه ابنُ التِّين عنه، وقال الدَّاوُدِيُّ: يريد مَن أحَدَثَ وصلَّى ولم يَتَوضَّأ وهو يعلمُ أنَّه يَخدعُ النَّاسَ بِصلاتِه كما وقع لمهاجِرِ أمِّ قيسٍ وخادَعَ فيها، واللهُ أعلمُ بِسريرتِه.