التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحيلة في النكاح

          ░4▒ بَابُ الْحِيلَةِ فِي النِّكَاحِ
          6960- ذَكَرَ فيه حديثَ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ ☺ أَنَّ رَسُولَ الله صلعم (نَهَى عَنِ الشِّغَارِ)، قلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاس: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ فِي الْمُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
          6961- وحديثَ الحَسَنِ وعبدِ اللهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بن عليٍّ عَنْ أَبِيهِمَا، أَنَّ عَلِيًّا ☺ قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ☻ لَا يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا، فَقَالَ: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإنْسِيَّةِ). وَقَالَ بَعْضُ النَّاس: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّكاح جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
          الشَّرحُ: نَقَلَ ابنُ بطَّالٍ عن بعضِ مَن لَقِيَهُ: أمَّا نكاحُ الشِّغَار ففاسدٌ في العَقْدِ عند العَقْدِ عند مالكٍ، وفي الصَّدَاقِ عند أبي حنيفةَ، ولا يكونُ البُضْعُ صَدَاقًا عند أحدٍ مِن العلماء إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ يقولُ: هذا النِّكاحُ مُنعقِدٌ ويصلُحُ بِصَدَاقِ المِثْلِ لأنَّه يجوزُ عندَه انعقادُ النِّكاحِ دون ذِكْرِ الصَّدَاق بخلافِ البيع، ثمَّ يُذْكَرُ الصَّدَاقُ فيما بَعْدُ، فلمَّا جاز هذا عندهم كان ذِكْرُهم للبُضْعِ بالبُضْع كَلَا ذِكْرٍ، وكأنَّه نكاحٌ انعقدَ بغيرِ صَدَاقٍ، وما كان عندَ أبي حنيفةَ مِن النِّكاح فاسدًا مِن أجْلِ صَدَاقِه فلا يُفسَخُ عندَه قَبْلُ ولا بَعْدُ، ويصلُحُ بصَدَاقِ المِثْلِ وبما يُفْرَضُ.
          وعند مالكٍ والشَّافعِيِّ يُفسَخُ نكاحُ الشِّغَار قَبْلَ الدُّخولِ بها وبعدَه حمْلًا لِنَهْيِ الشَّارعِ فيه على التَّحريمِ لِعمومِ النَّهي، إلَّا أن مالكًا والشَّافعِيَّ اختلفا إنْ ذَكَرَ في الشِّغَار دَرَاهِم، فقال مالكٌ: إنْ ذَكَرَ مع أحدِهما دراهِمَ صحَّ نكاحُ الَّتي سُمِّي لها دونَ الثَّانيةِ. وقال الشَّافعِيُّ: إنْ سُمِّي لإحدِهِما صحَّ النِّكاحان معًا، وكان للتي سُمِّي لها ما سُمِّي وللأخرى صَدَاقُ الْمِثْلِ. وقد سَلَفَ هذا في كتاب النِّكاح وهو غريبٌ عنه.
          وأمَّا المُتْعَةُ فإنَّ فُقهاءَ الأمصارِ لا يجيزون نكاح المُتْعَة بحالٍ. وقولُ بعضِ أصحابِ أبي حنيفةَ: المتعةُ والشِّغَارُ جائزٌ والشَّرطُ باطِلٌ. غيرُ صحيحٍ لأنَّ المتعةَ منسوخةٌ بِنَهْيِ الشَّارعِ كما سَلَفَ في بابِها، ولا يجوزُ مخالفةُ النَّهي، وفسادُ نِكاح المتعةِ مِن قِبَلِ البُضْعِ.
          فَصْلٌ: قولُه: (قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ...) إلى آخِرِه هو صحيحٌ. وقولُه في الآخِرِ يدُلُّ أنَّ الشِّغَار يصحُّ فيمن لا يُجبر وهو ما في «المدوَّنة» في قولِه: مَن يُزَوِّجُ مولاتَه أنَّ الشِّغَار يكونُ فيه، وذَكَرَ بعضُ المتأخِّرينَ أنَّ الشِّغَارَ إنَّما يَصِحُّ فيمن يُجبر على النِّكاحِ مِن غيرِ مشورةٍ. /
          وذَكَرَ هنا تفسيرَ الشِّغَار عن نافِعٍ، ورُوي عن ابنِ عُمَرَ عند مالكٍ.
          فَرْعٌ: اختُلِفَ عندَ المالكيَّةِ في نِكاح المُتْعة إذا نزل هل يحدُّ إذا وَطِئَ فيه؟ ففي «المدوَّنة»: يُعَاقَب، وقال ابنُ نافعٍ وغيرُه: يُحدُّ إذا عَلِمَ بتحريمِه. وقد ذَكَرَ بعضُ المشيخةِ ضابطًا فقال: كلُّ محرَّمٍ بالسُّنَّةِ لا حَدَّ فيه أو بالكتابِ حُدَّ، والمتعةُ كانت مباحةً إمَّا عامَ الفتْحِ أو حَجَّةَ الوداعِ ثمَّ نُهي عنها بعدَ ثلاثٍ.
          وقال الدَّاوُدِيُّ: وفي هذا الحديثِ بعضُ الوَهَمِ مِن بعضِ مَن نَقَلَهُ عن عليٍّ ☺ وتقدَّم، قال هنا: (نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ) والإذنُ في المُتْعَة كان بعدَ خَيْبرَ بلا خلافٍ، وإنَّما الصَّحيحُ أنَّ عليًّا ☺ قال: نَهَى رسولُ الله صلعم عن الحُمُرِ يومَ خَيْبرَ، وعن مُتعةِ النَّساء. فَتَمَّ الكلامُ في الحُمُرِ وأَتَى بكلامٍ بعدَه، والواو يأتي فيها التَّقديمُ والتَّأخيرُ. قال: وقولُ عُمَرَ ☺ في المُتْعَةِ: لو تقدَّمْتُ فيها لَرَجَمْتُ فيها. قاله تغليظًا.