التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الشروط في المعاملة

          ░5▒ (بَابُ: الشُّرُوطِ فِي المُعَامَلَةِ)
          2719- ذكر فيه حديثَ أَبُو هُرَيْرَةَ قال: (قَالَتِ الأنْصَارُ لِلنَّبِيِّ _صلعم_: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ قَالَ: لَا، قَالُوا: تَكْفُونَا الْمُؤنَةَ وَنُشْرِكْكُمْ في الثَّمَرَةِ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا).
          2720- وحديثَ ابن عمَرَ: (أَعْطَى رَسُولُ اللهِ _صلعم_ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا).
          الشَّرح: تقدَّم قول الأنصار: (اقْسِمْ بَيْنَنَا...) إلى آخره أنَّه اختلف فيه، هل هو مِنْ قول المهاجرين أو الأنصار؟ وكذلك قالوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فمَنْ قال الأَنْصَار قال: (تَكْفُونَا الْمُؤنَةَ) جعله حجَّةً لجواز المساقاة.
          وتقدَّم تأويل الجمع بين القولين أنَّ الأنصار قالوا: (اقْسِمْ بَيْنَنَا النَّخِيلَ) لأنَّهم أعطَوهم نصيبًا منه، فقال المهاجرون: (تَكْفُونَا الْمؤنَةَ) لأنَّهم لم يكن لهم معرفةٌ بعمل النَّخيل.
          ومعنى قولهم: (نُشْرِكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ) أي نشرككم في ثمرةٍ نُصيبها مِنَ النَّخيل الَّذي صار لنا بالعطيَّة منكم، فيصحُّ منه الدَّليل على جواز المساقاة، ويتَّفق القولان أنَّ (تَكْفُونَا المُؤْنَةَ) مِنْ قول المهاجرين، ولا يؤخذ أنَّه مِنْ قول الأنصار مِنْ قول مَنْ يقول: فيه دِلالةٌ على المساقاة لأنَّ المهاجرين ملكوا الثَّمرة على ما سلف، وقال الْمُهَلَّبُ: أراد الأنصارُ مقاسمةَ المهاجرين للإخاء الَّذي آخى بينهما رسولُ الله صلعم، وهذه المعاملة هي المساقاة بعينها، وهي خارجةٌ عن معاني البيوع لأنَّه لا يجوز بيعُ الثِّمار قبل بُدُوِّ صلاحها، وجاز بيعُها في المساقاة قبل أن تُخْلَق وتظهر، وأمَّا خروجها عن الإجارة فإنَّه لا يجوز الإجارة المجهولة، وفي المساقاة لا يُعلم مقدار ما يُخرج النَّخيلُ مِنَ الثَّمرة، وربَّما لا يُخرج شيئًا، وإنَّما جازت المساقاة بالسُّنَّة فهي مخصوصةٌ في نفسها لا تتعدَّى إلى غيرها ممَّا يشبه معناها، فلا يجوز مِنَ الشُّروط في معاملاتهم إلَّا ما كان في كتاب الله أو سنَّة رسول الله صلعم.