التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح

          ░6▒ (بابُ: الشُّرُوطِ في الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ)
          (وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، وَلَكَ مَا شَرَطْتَ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: سَمِعْتُ النَّبيَّ _صلعم_ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ في مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي).
          2721- ثُمَّ ذكرَ حديثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: (قَالَ رسول الله _صلعم_: أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ).
          الشَّرح: أثرُ عمرَ رواه ابن أبي شَيبة عن ابن عُيينة عن يزيد بن يزيد بن جابرٍ عن إسماعيل بن عُبيد الله عن عبد الرَّحمن بن غَنْمٍ عنه، وتعليق الْمِسْوَر سلف في باب: الأمر بإنجاز الوعد [خ¦52/28-4190]، وحديث عُقبة أخرجه مسلمٌ أيضًا، قال التِّرْمِذيُّ: والعمل على حديث عُقبة عند بعض أهل العلم مِنَ الصَّحابة، منهم عمر بن الخطَّاب قال: إذا تزوَّج الرَّجل امرأةً وشرط لها ألَّا يُخرجَها مِنْ مِصْرها فليس له أن يخرجها، وبه يقول الشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ، كذا حكاه التِّرمِذيُّ عن الشَّافعيِّ وهو غريبٌ، ومذهبه أنَّه لا يَلزمه الوفاء بذلك.
          ورُوي عن عليٍّ / أنَّه قال: شرطُ اللهِ قبل شرطها كأنَّه يرى للزَّوج أن يخرجها وإن كانت اشترطت ألَّا يخرجها، وذهب بعضُ أهل العلم إلى هذا وهو قول الثَّوريِّ وبعضِ أهل الكوفة، والمراد في حديث عُقبة الشُّروط الجائزة، وقد قال: ((لا تَشترطُ المرأةُ طَلَاقَ أُخْتِها)) كما سيأتي بعدُ [خ¦2723]، وقال ابن العربيِّ في «سراجه»: إذا وقع الشَّرط وجب الوفاء به سواءٌ كان معلَّقًا بيمينٍ عليه أو لم يُعلَّق بيمينٍ، واحتُجَّ بهذا لابن شِهابٍ في قوله: مَنْ شرط لزوجته ألَّا يتزوَّج عليها ولا يتسرَّى ولا يخرجَها مِنْ بلدها أنَّه يوفي لها بذلك وإن لم يكن فيه عهدٌ، قال: ولم يَزل العلماءُ يَقضون بكلِّ شرطٍ قارن النِّكاح، ومالكٌ يقول: لا يقضي لها بذلك إلَّا أن يكون فيه شرط طلاق أو عِتقٍ فيمضي ذكرَه ابنُ التِّين، وقال الطَّحاويُّ: المراد ما أوجبه الله للزَّوجات على أزواجهنَّ مِنَ الصَّدقات وحسن المعاشرة والنَّفقة والكسوة وما أشبه ذلك مِنْ حقوقها.
          وفي أبي داودَ والنَّسائيِّ مِنْ حديث عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّه أنَّ النَّبيَّ _صلعم_ قال: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ أُنْكِحَتْ عَلَى صَدَاقٍ أَوْ حِبَاءٍ أَوْ عِدَةٍ قَبْلَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لَهَا، وَمَا كَانَ بَعْدَ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَهُوَ لِمَنْ أَعْصَمَهُ)) أراد أنَّ المرأةَ المخطوبة إلى وليِّها قد يُحبي وليُّها، أو يوعد بشيءٍ ليكون عونًا للخاطب على تزوُّجه، فلا يطيب له شيءٌ مِنْ ذلك، إذ كان إنَّما قصده إليه بذلك التَّزويج الملتمس منه، فكانت المرأة أولى بذلك منه، لأنَّ الَّذي يُملَك بتلك الخِطبة بضعُها لا ما سواه، فالغرض مِنْ ذلك البضعُ والأسباب الَّتي يلتمس بها الوصول إليه يملكه مَنْ يملك ذلك البضع وهي المرأة دون مَنْ سواها، فجعله للمرأة دون الوليِّ المخطوب إليه، وما كان مِنْ بعد عصمة النِّكاح فهو لِمَنْ أعصمه لأنَّه قد صار له سببٌ يحبُّ أن يُكرم عليه، فكان له ما أكرم به لذلك، ولم يكن له قبل النِّكاح سببٌ يستحقُّ به الإكرام فلم يطب له ما أكرم به، وكان أولى به مَنْ أُكرم به مِنْ أجله.
          وذهب الثَّوريُّ ومالكٌ إلى أنَّ الرَّجل إذا نكح المرأة على أنَّ لأبيها شيئًا اتَّفقا عليه سوى المهر أنَّ ذلك كلَّه للمرأة دون الأب، وروي عن طاوسٍ وعطاءٍ، وقال أحمدُ: هو للأب ولا يكون لغيره مِنَ الأولياء، ورُوي عن عليِّ بن الحسين أنَّه زوَّج ابنته واشترط لنفسه عشرة آلاف درهمٍ يجعلها في الحجِّ والمساكين، وقال الشَّافعيُّ: لها مهر مِثلِها ولا شيءَ للوليِّ.