التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يجوز من الشروط في الاسلام و الاحكام والمبايعة

          ░1▒ (بَابُ: مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإِسْلاَمِ وَالأَحْكَامِ وَالمُبَايَعَةِ)
          2711- 2712- 2713- ذكر فيه حديثَ الزُّهريِّ: (أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ _صلعم_: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللهِ _صلعم_ لا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا...) الحديث بطوله.
          2714- وحديثَ جريرٍ: بايعتُ النَّبيَّ _صلعم_ قال: (فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ).
          2715- وفي لفظٍ: (عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ) وهذا سلف آخر باب الإيمان [خ¦57].
          وحديثُ مروانَ والمِسْوَرِ سلف أيضًا ولم يُعَيِّنَا مَنْ رَويا عنه ولا يضرُّ لأنَّ الصَّحابة كلَّهم عدولٌ بخلاف مَنْ أُبْهِم بعدهم، وهما لم يحضرا هذه الغزوة لصغر سنِّهما لأنَّهما وُلِدا بعد الهجرة بسنتين، وأمَّا ابن طاهرٍ فقال: الحديث معلولٌ، أي مِنْ جهة الإرسال وليس بعلَّةٍ لأنَّه مرسلُ صحابيٍّ.
          وقوله: (وَامَّعَضُوا) قال القزَّاز: لا أصلَ لهذا مِنْ كلام العرب، وأحسبه: فكرهوا ذلك وامتعضوا منه أي: شقَّ عليهم، قال: فإن كان هذا الحرف كتب بالضَّاد وهو بالظَّاء، وكان واتَّعظوا منه كان غير صوابٍ أيضًا لأنَّه لا يوافي الَّذي قبله مِنَ الكراهة، ومعضوا وامتعضوا أشبه، وفي رواية أبي ذرٍّ وغيره: (وَامْتَعَضُوا) كما ذكر القزَّاز، وإنَّما كَره الصَّحابةُ ذلك لأنَّهم كانوا مستظهرين، واشتَرط الكفَّار عليهم شروطًا فيها بعضُ التَّحكُّم وكان أشدَّهم في ذلك كراهيةً عمرُ.
          وقوله: (وَهِيَ عَاتِقٌ) أي بكْرٌ، قال ابن دُريدٍ: عَتَقَت الجارية أي صارت عاتقًا، وذلك إذا أوشكت البلوغ، وقد تقدَّم تفسير العواتق في أبواب صلاة العيد [خ¦980].
          وقوله: (مُهَاجِرَاتٍ) هو مثل: مُغاضباتٍ ومُراغماتٍ، أي فعلن ذلك لاختلاف الدِّينين معاداةً لقومِهنَّ، وقال الأَّزهريُّ: أصل المهاجرة عند العرب خروج البدويِّ مِنَ البادية إلى المدن، يقال: هاجر البدويُّ إذا حضر القرى وأقام بها.
          وقوله: ({فَامْتَحِنُوهُنَّ}) أي فاختبروهنَّ، وقول عائشةَ: كان يمتحنهنَّ بهذه الآية: {يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة:10] إلى آخرها، وعن ابن عبَّاسٍ: كانت المرأة إذا أتت رسولَ الله _صلعم_ أحلفها: بالله ما خرجت مِنْ بُغْض زوجٍ؟ بالله ما خرجت رغبةً بأرضٍ عن أرضٍ؟ بالله ما خرجت التماسَ دنيا؟ بالله ما خرجت إلَّا حبًّا لله ولرسوله؟ والمحبَّة على قول عائشةَ: {أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} الآية [الممتحنة:12].
          ومعنى {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة:12] لا يأتين بولدٍ ليس مِنْ أزواجهن فَيَنْسِبْنَه إليهم، وقيل: ما كان مِنْ جنسه أو قبله أو أكل حرامٍ، وقيل: (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ): ألسنتهنَّ، و(بَيْنَ أَرْجُلِهِنَّ): فروجهنَّ، وقيل: هو توكيدٌ مثل: {مَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُمْ} [الشورى:30].
          وقوله: ({وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}) [الممتحنة:12] قيل: هذا في النَّوح، وقيل: لا يخلُونَ بغير ذي مَحرمٍ، وقيل: في كلِّ حقٍّ معروفٍ لله تعالى.
          وقوله: ({لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}) [الممتحنة:10] قيل: يعني المسلمين وكفَّار مكَّة، إنَّما أُنزلت في قومٍ مِنَ الكفَّار، وبَيَّن الله _تعالى_ ذلك بقوله: {والْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكتَابَ مِنْ قَبْلِكُم} [المائدة:5] ولا شكَّ أنَّ الشُّروط الجائزة في الإسلام والأحكام هي الشُّروط الموافقة لكتاب الله وسُنَّة رسوله، وشروط المبايعة هي شروط التزام الفرائض والنَّصيحة للمؤمنين، وما في آية الممتحنة ممَّا ألزمه الله _╡_ المؤمنات في الآية أن {لَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} إلى آخر الآية.
          واختلف العلماء في صلح المشركين على أن يُرَدَّ إليهم مَنْ جاء منهم مسلمًا فقال قومٌ: لا يجوز هذا وهو منسوخٌ وقد سلف لقوله _◙_: ((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسلمٍ أَقامَ معَ مُشركٍ فِي دَارِ الحَربِ لَا تَتَراءَى ناراهما)) قالوا: فهذا ناسخٌ لردِّ المسلمين إلى المشركين إذ كان النَّبيُّ _صلعم_ قد برئ ممَّن أقام معهم في دار الحرب، وأجمع المسلمون أنَّ هجرة دار الحرب فريضةٌ على الرِّجال والنِّساء، وذلك الَّذي بقي مِنْ فرض الهجرة، هذا قول الكوفيِّين وقول أصحاب مالكٍ. وذكر ابن حَبيبٍ عن ابن الماجِشُون قال: إذا اشترط أهل الحرب في الرَّدِّ ردَّ مَنْ أسلم منهم لم يَنْبَغِ أن يُعطَوا ذلك، فإنْ جهل معظمهم ذلك لم يوفَّ لهم الشَّرط لأنَّه خلاف سنَّة الإمام وفيه إباحة حرمته.
          وقال الشَّافعيُّ: هذا الحكم في الرِّجال غيرُ منسوخٍ، وليس لأحدٍ هذا العقد إلَّا للخليفة، أو لرجلٍ يأمره فمن عقده غير الخليفة فهو مردودٌ، وقد أسلفنا ذلك أيضًا، وقول الشَّافعيِّ: وهذا الحكم في الرِّجال غير منسوخٍ، يدُلُّ أنَّ مذهبه في النِّساء منسوخٌ، وحجَّته في حديث مروانَ والمِسْوَرِ قوله: (وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم) فجاء أهلها إلى رسول الله _صلعم_ يسألونه أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها لما أُنزل فيهنَّ وردَّ أبا جندل.
          وذكر مَعْمرٌ عن الزُّهريِّ قال: نزلت الآية على رسول الله وهو بأسفل الحُدَيبية، وكان صالحهم على أنَّ مَنْ أتاه منهم ردَّه إليهم، فلمَّا جاء النِّساء نزلت عليه الآية / وأمره أن يردَّ الصداق إلى أزواجهنَّ، فحكم _◙_ في النِّساء بحكم الله في القرآن، وبيَّن المعنى في ذلك بقوله _تعالى_: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] فأخبر _تعالى_ أنَّ وطءَ المؤمنات حرامٌ على الكفَّار فلذلك لم يردَّ إليهم النِّساء، وقد رُوي في هذا الحديث ما يدلُّ أنَّ الشَّرط إنَّما وقع في صلح أهل مكَّة أن يردَّ الرِّجال خاصَّةً ولم يقع على النِّساء، وهو قول سُهيلٍ: وَعَلَى أَلَّا يَأْتِيَكَ مِنَّا رجلٌ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا. فلم يدخل في ذلك النِّساء، ذكره البخاريُّ في باب: الشُّروط في الجهاد [خ¦2731]، وذكر ابن الطَّلَّاع عن الْمُفَضَّل: أنَّ يوم الحُدَيبية جاءت سُبَيْعَةُ الأَسْلَميَّة مِنْ مكَّة مُسلِمةً فأقبل زوجها في طلبها وقالَ: يا محمَّدُ رُدَّ عليَّ امرأتي، فأنزل الله الآية، فلما استحلفها _◙_ ردَّ على زوجها مَهرها والَّذي أَنفق عليها ولم يردَّها عليه.