التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل

          ░17▒ (بَابُ: الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَو شِرْبٌ فِي حَائِطٍ أَو فِي نَخْلٍ
          قَالَ النَّبِيُّ _صلعم_: مَنْ بَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، وَلِلْبَائِعِ المَمَرُّ وَالسَّقْيُ حَتَّى يَرْفَعَ وَكَذَلِكَ رَبُّ العَرِيَّةِ).
          2379- ذكر فيه حديثَ ابن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ _صلعم_ يَقُولُ: مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ، فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ، وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي العَبْدِ).
          2380- وحديثَ زيد بن ثابتٍ: (رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ أَنْ تُبَاعَ العَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا).
          2381- وحديثَ جابرٍ في النَّهي (عَنِ المُخَابَرَةِ، وَالمُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُو صَلاَحُهَا، وَأَنْ لَا تُبَاعَ إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إِلَّا العَرَايَا).
          2382- وحديثَ أبي هريرة: (رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ فِي بَيْعِ العَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَو فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، شَكَّ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ).
          2383- وحديثَ بُشَيرِ بن يَسَارٍ، عن رَافِع بْنِ خَدِيج، وَسَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ _◙_ (نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلَّا أَصْحَابَ العَرَايَا، فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُشَيْرٌ مِثْلَهُ).
          وقد سلفت هذه الأحاديثُ مفرَّقةً في مواطنها، وشيخ البُخَاريِّ في الأخير: زكريَّ بن يحيى هو: البلخيُّ الحافظ، روى في العيد، عن زكريَّا بن يحيى، وهو الطَّائيُّ الكوفيُّ، وفي طبقتهما آخرُ قاضٍ شيخ مسلمٍ، ورابعٌ يُعرف بخيَّاط السُّنَّة شيخ النَّسائيِّ.
          وأراد البُخَاريُّ أن يستدلَّ مِنْ حديث ابنِ عمرَ وحديث زيدِ بن ثابتٍ على تصحيح ما ترجم به، وذَلِكَ أنَّه _◙_ لمَّا جعل لبائع أصول النَّخل الثَّمرة بعد أن تؤبَّر كان له أن يدخل في الحائط لسقيها وتعهُّدها حتَّى يجذَّها، ولم يجزْ لمشتري أصول النَّخل أن يمنعَه الطَّريق والممرَّ إليها، وكذلك يجوز لصاحب العَريَّة أن يدخل في حائط المُعرى لتعهُّد عريَّته وإصلاحها وسقيها، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء، وأمَّا مَنْ له طريق مملوكةٌ في أرض غيره، فقال مالكٌ: ليس للَّذي له الطَّريق أن يَدخل فيها بماشيته وغنمه؛ لأنَّه يفسد زرع صاحبه، وقال الكوفيُّون والشَّافِعِيُّ: ليس لصاحب الأرض أن يزرع في موضع الطَّريق.
          وفي قوله: (وَلَهُ مَالٌ) أنَّ العبد يملك؛ لإضافة المال إليه بلام التَّمليك، وإن كان يحتمل الاختصاصَ والنِّسبة، لا جَرَمَ تردَّد قوُل الشَّافِعِيِّ فيما إذا ملك مالًا، والأظهر أنَّه لا يملك وفاقًا لأبي حَنِيفةَ.
          ومعنى قوله: (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ المُبْتَاعُ) أنَّه لِمَنْ كان له قبلَ البيع، وقوله: (يَشْتَرِطَ) كذا وقع هنا بغير هاءٍ، وذكره الإسماعيليُّ بهاءٍ وبغير هاءٍ، واستدلَّ به مَنِ استثنى بعضَ الثَّمرة وبعضَ مال العبد وهي رواية أشهبَ، ومنعه مالكٌ، وفي رواية ابن حَبيبٍ: وهذا إذا كان العبدُ جميعُه للبائع، وإن كان له بعضه فضربان؛ أحدهما: أن يكون الباقي عبدًا أو حرًّا، فالأوَّل إن باع نصيبه مِنْ شريكه لم يجزِ البيع على الإطلاق؛ لأنَّ الإطلاق يقتضي أن يكون له مِنْ مال العبد بقدر نصيبه، ولا يجوز انتزاعه إلَّا بإذن الشَّريك والإذن معدومٌ، والثَّاني: يجوز بيعُه مطلقًا، ولا يُشترط كونُ المال للبائع؛ لأنَّه لا يملك انتزاعَ مَنْ فيه جزءٌ مِنَ الحريَّة ويجوز بيعُه بشرط تبقية المال في يد العبد.
          خاتمةٌ: قوله: (وَعَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي العَبْدِ)، قال الدَّاوُديُّ: حديث مالكٍ عن نافعٍ، عن ابن عمر في الثَّمرة إنَّما رواه عن عمر وهو وهمٌ مِنْ نافعٍ، والصَّحيح ما رواه ابن شهابٍ عن سالمٍ، عن أبيه، عن رَسُول الله _صلعم_ في العبد والثَّمرة، واعتَرض ابنُ التِّيْنِ فقال: لا أدري مِنْ أين أَدخل الدَّاوُديُّ الوهم على نافعٍ؟ وما المانع مِنْ أن يكون عمر قال ما تقدَّم مِنْ قوله ◙؟