التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إثم من منع ابن السبيل من الماء

          ░5▒ (بَابُ: إِثْمِ مَنْ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنَ المَاءِ)
          2358- ذكر فيه حديثَ أبي هُرَيرَةَ، وقد أسلفناه في الباب قبله واضحًا، وهو وعيدٌ للمسلمين أيضًا، فهو تحتَ المشيئة، إن شاء عفا عنه بفضله وإن شاء أنفذه بعدلِه ولا خُلود، فإنَّه قد رُفِعَ عن أهل التَّوحيد.
          وقوله: (مَنَعَ فَضْلَ) يدلُّ أنَّ صاحبَ البئر أَوْلى مِنِ ابن السَّبيل عند الحاجة، فإذا أخذَ صاحبُ البئر حاجَته خلَّاها لابن السَّبيل ولم يجُزْ لَه منعُه، و(ابْنِ السَّبِيِل) / المسافِرُ، فإذا كان الماء ممَّا يحلُّ منعُهُ مُنِعَ إلَّا بالثَّمن، إلَّا أن لَا يكون معَهم، وإن مَنَعُوهم إلى أن يبلغوا ماءً غيرَه فلا، فإنْ منعوهم جاهَدوهم، وأمَّا بئرُ المواشي والسُّقاة الَّتِي لا يحلُّ منْعُ مائها فلا يُمنعون، فإنْ مَنَعوا قُوتلوا وكان هَدَرًا، وإن أُصيب طالبُ الماء كانت ديتُهُ على صاحب الماء إلا مع العُقوبة والسِّجن، كذا قاله الدَّاوُدِيُّ، وصوَّب ابنُ التِّيْنِ أنَّها على العاقلة إن ماتوا عطشًا كما نصَّ عليه في «المدوَّنة»، وإن أُصيبَ أحدٌ مِنَ المسافرين أُخِذَ به جميعُ مانعي الماء وقُتِلُوا به.
          وقوله: (وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا) هُو في معنى قوله _◙_: ((ومَنْ كانت هجرته لدنيًا يصيبها...)) الحديثَ، والرَّبُّ _تعالى_ لا يقبل في كلِّ الأعمالِ إلَّا مَا أُريد به وجهُهُ وإلَّا فهو وَبَالٌ على صاحبه، وهو مِنْ أعظم الذُّنوب.
          وقوله: (بَعْدَ العَصْرِ) يدلُّ أنَّه وقتٌ تَعظُمُ فيه المعاصي لارتفاع الملائكة بالأعمال إلى الرَّبِّ _تعالى_ فيعظُمُ أنْ يرتفعوا بالمعاصي ويكونَ آخرُ عمله المرفوعَ، فالخواتم هِي المرجوَّة، وإنْ كانت اليمين الفاجرةُ محرَّمةً كلَّ وقتٍ، وقد قيل في قوله _تعالى_: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} [المائدة:106]: إنَّها العصر؛ ولأنَّه كان وقت اجتماع النَّاس، وذَكره فيما سيأتي قريبًا بزيادة: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} [البقرة:174] يعني وقتًا دون وقتٍ، وليس على الاستمرار والخلود، هذا مذهب أهل السُّنَّة والجماعة.