التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب بيع الحطب والكلإ

          ░13▒ (بَابُ: بَيْعِ الحَطَبِ وَالكَلَأ)
          ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          2373- أحدها: حديث الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ: (عَنِ النَّبِيِّ _صلعم_ قَالَ: لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلًا، فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَبِيعَ، فَيَكُفَّ اللهُ بِهِ وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاس، أُعْطِيَ أَو مُنِعَ).
          2374- ثانيها: حديث أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عبد الرَّحمنِ بْنِ عَوْفٍ: (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يقول: قَالَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_: لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَو يَمْنَعَهُ).
          وقد سلفا في باب: الاستعفاف عن المسألة [خ¦1471] [خ¦1470]، وأبو عبيدٍ هذا اسمُه سعدُ بن عُبيدٍ مولى عبد الرَّحمنِ بن الأزهر بن عبد عَوفِ بن عبد بن الحارث بن زُهرةَ، ويُنسب أيضًا إلى عبد الرَّحمنِ بن عوفِ بن عبد عوفٍ؛ لأنَّهما ابنا عمٍّ، القرشيُّ الزُّهْرِيُّ الَّذِي مات سنة ثمانٍ وتسعين، تابعيٌّ.
          2375- ثالثها: حديث عليٍّ: (أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللهِ _صلعم_ فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ _صلعم_ شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ البَيْتِ...) / الحديثَ، وسلف بعضُه في باب: ما قيل في الصَّوَّاغ [خ¦2089].
          في الباب: إباحة الاحتطاب في المباحات والاختلاء مِنْ نبات الأرض، كلُّ ذلك مباحٌ حتَّى يقعَ الحظرُ مِنْ مالك الأرض فترتفع الإباحة، وعن مالكٍ: مَنْ كانت له أرضٌ يملكها ليستْ بأرضِ جزيةٍ فأراد أن يبيع ما ينبت فيها مِنَ المرعى بعد طِيبه أنَّه لا بأسَ به. وقال أشهبُ: لا يجوز ذلك؛ لأنَّه رزقٌ مِنْ رزق الله، ولا يحلُّ لربِّ الأرض أن يمنعَ منه أحدًا للحديث السَّالف [خ¦2353]: ((لا يُمنَعُ فضلُ الماءِ؛ ليُمنَعَ بِهِ الكَلَأَ)) ولو كان النَّبات في حائط إنسانٍ لما حلَّ له أن يمنع منه أحدًا للحديث السَّالف: ((لَا حِمَى إلَّا للهِ ولرَسُولِهِ))، وقال الكوفيُّون كقول أشهبَ.
          وفيه: أنَّ تضمينَ الجناياتِ بين ذوي الأرحامِ العادةُ فيها أن تُهدر مِنْ أجل القَرابة، كما هَدر عليٌّ قيمةَ النَّاقتين، والجنايةُ فيهما مع وكيد الحاجة إليهما، وإلى مَا كان يستقبلُه مِنَ الإنفاقِ في وليمة عُرسه، وفيه: أنَّ للإمام أن يمضيَ إلى أهل بيتٍ بلغه أنَّهم على مُنْكرٍ فيغيِّره، وفيه: علَّة تحريمِ الخمر، ومعنى قوله _تعالى_: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ} الآية [المائدة:91] مِنْ أجلِ ما جفا به حمزةُ عَلى الشَّارع مِنْ هَجْر القول.
          قوله: (وَمَعِي) رَجُلٌ (صَائِغٌ) كَذا في الأصول، وعند أبي ذرٍّ وعند أبي الحسن: <طالعٌ> أي يدلُّه على الطَّريق، و(قَيْنَُِقَاعَ) مثلَّث النُّون كما سلف. والقَيْنَةُ: المغنِّية وتُطلق على الماشطة والأمَة، قال ابن فارسٍ: والعامَّة تسمِّي المغنِّية: القينة.
          وقوله: فَقَالَتْ:
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
          (حَمْزَُ): مرخَّمٌ، فإن شئتَ ضممتَ الزَّاي أو فتحتها. و(الشُّرُفِ) جمع شارفٍ وهي المسنَّة مِنَ النُّوق. قال الدَّاوُديُّ: والشَّرب القوم يجتمعون على الشَّراب. و(النِّوَاءِ) جمع ناويةٍ، والنَّاوية: السَّمينة، وقد نوت نياءً ونوايةً. قال أبو حَنِيفةَ: أنوينا إبلنا أسمنَّاها، وقال الخَطَّابِيُّ: النَّيءُ: السَّمين، والنَّيُّ: اللَّحم الطَّريُّ، وقال الدَّاوُديُّ: النِّواء: الحباء والكرامة، جَعل الباءَ ياءً توهُّمًا فعكس المعنى ولم يروه أحدٌ بالياء، وكذلك تصحَّف عليه النِّواء، والبيت معروفٌ مشهورٌ وآخره:
فهنَّ معقَّلاتٌ بالفِناءِ
          وإنَّما أخذ حمزةُ السَّنام والكَبد؛ لأنَّ العرب تقول: أطايبُ الجَزور السَّنامُ والكَبد.
          و(ثَارَ) وثب، و(جَبَّ) قَطع، وقيل للخصيِّ: مجبوبٌ، أي مقطوعٌ، (وَبَقَرَ) شقَّ، و(أَفْظَعَنِي) هالَني، قال ابن فارسٍ: أفظع الأمرُ وفَظُعَ: اشتدَّ وهو مُفْظِعٌ وفَظِيعٌ، ودخول عليٍّ على رَسُول الله _صلعم_ وزيدُ بن حارثة عندَه فيه خصوصيَّته به، وكانوا يلجؤون إليه في نوائبهم.
          وقوله: (هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي) قال الدَّاوُديُّ: يعني: لأنَّ أباه جدُّهم، وهو أبٌ، والجدُّ كالسَّيِّد، وظاهره بخلاف ذلك؛ لأنَّ حمزة كان ثمِلًا، فقال ما ليس بحقٍّ، ولذلك قال: (هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي)، وقيل فيه: إنَّ السَّكران إذا طلَّق وافترى لا شيءَ عليه، وعُورض بأنَّ الشَّارع وعليًّا تركا حقوقهما، وأيضًا فالخمر كانت حلالًا إذْ ذاك بخلاف الآن فيلزم بذلك؛ لأنَّه أدخله على نفسه.
          ومعنى: (يُقَهْقِرُ) يرجع وراءه.
          وقوله: (وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الخَمْرِ) سببه أنَّ حمزة توفِّي يوم أُحدٍ وحُرِّمت بعدُ، ولذلك عَذَرَه. قال الخَطَّابِيُّ: ومَنْ قال بعده لم يُعذر.