التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من حفر بئرًا في ملكه لم يضمن

          ░3▒ (بَابُ: مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ)
          2355- ذكر فيه حديثَ أبي هُرَيرَةَ: (المَعْدِنُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالعَجْمَاءُ جُبَارٌ).
          سلف في الزَّكاة مِنْ طريقٍ آخرَ إلى أبي هُرَيرَةَ به [خ¦1499]، و(عُبَيدُ اللهِ) المذكور في إسناده هو ابنُ موسى العبسيُّ مولاهم، وأَبُو حُصَينٍ هو عثمان بن عاصمٍ الأَسديُّ، زاد الإسماعيليُّ: ((لا عَدوى ولا طِيرة ولا صَفَر ولَا هَامَة))، زاد الخطيب: ((والرِّجْلُ جُبار)) وقال: إنَّها مُدْرَجةٌ.
          واعترض ابنُ المُنَيِّرِ فقال: الحديث مطلقٌ، والتَّرجمة مقيَّدةٌ بالمُلك، وإذا كان الحديث تحتَه صورٌ، أحدها: الملك، وهو أقعد الصُّور بسقوط الضَّمان، كان دخولُها في الحديث محقَّقًا، فاستقامَ الاستدلالُ.
          قلتُ: وأسلفنا هناك أنَّ الجُبارَ: الهَدَرُ الَّذِي لا شيء فيه، و(المَعْدِنُ): ما يخرج منه تِبْرُ الذَّهب والفضَّة وغيرِهما، ومعنى جُبار البئر: إذا حفَرها في موضعٍ يسوغ له حفرها، وهو تأويلُ البُخارِيِّ، وقيل: هو أن يستأجرَ مَنْ يحفر له بئرًا فتنهار عليه، و(العَجْمَاءُ) الدَّابَّة الَّتي لا تنطق.
          وفيه دليلٌ على أبي حنيفة في قوله: إنَّ المعدِن يُسمَّى رِكازًا.
          قال ابن بطَّالٍ: اختلف العلماء في مسألة الباب، فقال مالكٌ: مَنْ حفر بئرًا أو أوقفَ دابَّةً في موضعٍ يجوز له أن يصنعَ ذلك فيه، فسقط أحدٌ في البئر أو ضَرَبت الدَّابَّة أحدًا أنَّه لا ضمان عليه ولا دِية، وإنَّما يضمن مِنْ ذلك ما حفره في طريق المسلمين، أو صَنَعَ مِنْ ذلك ما لا يجوز له أن يصنعَه فيه، وهذا بمنزلة الإمامِ إذا حدَّ حدًّا فمات المحدود فلا شيء عَلى الإمام؛ لأنَّه فعل مَا يجوز له، وإنَّما يلزمه الضَّمان إذا تعدَّى في الحفر، وبمثله كلِّه قال الشَّافِعِيُّ، وقال أبو حنيفة: مَنْ حفر بئرًا أو أوقف دابَّة في موضعٍ يجوز له ذلك فليس يبرئه مِنَ الضَّمان ما أجاز إحداثه له.
          واختلفوا في رجلٍ حفرَ في داره بئرًا لسارقٍ يرصُدُه، أو وضع حِبالاتٍ له فعُطبَ به السَّارق أو غيره، فقال مالكٌ: هو ضامنٌ، وقال اللَّيث: لا ضمان عليه، وحُجَّته هذا الحديث، وحُجَّة مالكٍ أنَّه لا يجوز له أن يقصد بذلك الفعلِ أن يُهلك به أحدًا؛ لأنَّه متعدٍّ بهذا القصد، وقد يمكنه التحرُّزُ بغيره، وإنْ حفر الحفير في حائطه للسِّبَاع فسقط به إنسانٌ فلا ضمان عليه عند مالكٍ؛ لأنَّه فعل ما يجوز له ولا غِنًى به عنه، ولم يقصد بالحفر تلفَ إنسانٍ فيكون متعدِّيًا.
          وسيكون لنا عودةٌ إلى تفسير (العَجْمَاءُ جُبَارٌ) في الدِّيات [خ¦6913] إن شاء الله تعالى.