شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء

          ░13▒ بابُ: الْجَمْعِ في السَّفَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
          فيه: ابنُ عُمَر: (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ(1) بِهِ السَّيْرُ). [خ¦1106]
          وفيه(2): ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ على ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ). [خ¦1107] [خ¦1108]
          وفيه(3): أَنَسٌ قَالَ(4): (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ(5) الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ في السَّفَرِ).
          اختلف العلماء في جمع المسافر بين الصَّلاتين، فذهب جمهور العلماء إلى أنَّ المسافر يجوز له الجمع بين الظُّهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، رُوي ذلك عن سعد بن أبي وقَّاصٍ وسعيد بن زيدٍ وأبي موسى الأشعريِّ وابن عمر وابن عبَّاسٍ(6) وأسامة بن زيدٍ، وهو قول مالكٍ واللَّيث والأوزاعيِّ والثَّوريِّ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ.
          وذهبت طائفةٌ إلى أنَّه لا يجوز(7) الجمع للمسافر إلَّا إذا جدَّ به السَّير، وهو قول مالكٍ في «المدونَّة»، وقول اللَّيث، واحتجُّوا بحديث(8) ابن عمر(9) (أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ إذا جدَّ(10) بهِ السَّيرُ جمَعَ بينَ المغرِبِ والعِشاءِ). وبحديث ابن عبَّاسٍ (أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ يجمَعُ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ إذا كانِ على ظهرِ سَيرٍ(11)).
          وكرهت طائفةٌ للمسافر الجمع إَّلا بعرفة والمزدلفة، هذا قول النَّخَعِيِّ والحسن وابن سيرين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، واحتجُّوا بأنَّ مواقيت الصَّلاة قد صحَّت فلا تترك لأخبار الآحاد.
          قال ابن القصَّار: فيقال لهم: إنَّ أوقات السَّفر لا تعترض أوقات الحضر، وقد رُوي جمعُه صلعم بين الصَّلاتين في السَّفر من طرقٍ(12) تجري مجرى الاستفاضة، منها حديث ابن عمر و(13) ابن عبَّاسٍ(14) وحديث معاذٍ، وقد اتَّفقنا على جواز جمع أهل مكَّة وعرفة بعرفة والمزدلفة وهم مقيمون، فكذلك يجوز أن يجمعوا بينهما إذا سافروا.
          وقال الطَّبريُّ: قد(15) تظاهرت الأخبار عنه صلعم أنَّه كان يجمع بين الصَّلاتين في السَّفر، فظاهرها أنَّه كان يجمع بين الظُّهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة، فهل بينك وبين من أنكر الجمع بعرفة والمزدلفة وأجازه في السَّفر بالأخبار الواردة عنه صلعم أنَّه كان يجمع في السَّفر فرقٌ؟ قالوا(16): ولو(17) لم يأت عنه صلعم أنَّه جمع إلَّا بعرفة والمزدلفة فقط لكان ذلك دليلًا على جواز الجمع للمسافر(18).
          وروى(19) مالكٌ عن ابن شهابٍ قال: سألت سالم بن عبد الله هل يُجمع بين الظُّهر والعصر في السَّفر؟ فقال(20): نعم، ألا ترى إلى صلاة النَّاس بعرفة، وفي حديث أنسٍ جواز الجمع للمسافر من غير(21) أن يجدَّ به السَّير كما قال جمهور العلماء(22)، وكلا الفعلين قد صحَّ عن النَّبيِّ صلعم جمع حين جَدَّ به السَّير وجمع دون ذلك، وليس ذلك بتعارضٍ(23)، بل كلُّ واحدٍ حكى عن النَّبيِّ صلعم ما رأى، وكُلٌّ سُنَّةٌ، وقد قال ابن حبيبٍ من أصحاب مالكٍ: يجوز الجمع للمسافر جَدَّ به السَّير أو لم يجدَّ إلَّا لقطع السَّفر وإن لم يَخَفْ شيئًا، وهو قول(24) ابن الماجِشون، وأصبغ بن الفَرَج.
          وترجم لحديث ابن عمر، وأنسٍ باب: هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وذكر فيه قول سالمٍ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ (إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ(25)، ثُمَّ يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ) الحديث.
          قوله(26): (يُقِيْمُ المَغْرِبَ ثُمَّ يُقِيْمُ العِشَاءَ) يحتمل أن يكون معناه بما تقام به الصَّلوات(27) في أوقاتها(28) من الأذان والإقامة، ويحتمل أن يريد(29) الإقامة وحدها على ما جاء في الجمع بعرفة والمزدلفة من الاختلاف في إقامتها، وقال ابن المنذر: يؤذِّن ويقيم، فإن أقام ولم يؤذِّن أجزأَهُ، ولو ترك الأذان والإقامة لم يكن عليه إعادة الصَّلاة، وإن كان مسيئًا بتركه ذلك، / وقد تقدَّم اختلاف العلماء في ذلك في أبواب الأذان قبل هذا، [خ¦603] فأغنى عن إعادته.


[1] في (ق): ((إذا أجدَّ)).
[2] في (ي): ((فيه)).
[3] في (م): ((فيه)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[5] قوله: ((صلاة)) ليس في (م). قوله: ((الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ)). وفيه: أَنَس، قَالَ: ((كَانَ النبي ◙ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاةِ)) ليس في (ق).
[6] في (ق) و (م): ((وابن عباس و ابن عمر)).
[7] زاد في (ق): ((للمسافر)).
[8] في (ق) و (م): ((وحدثتهم حديث)).
[9] زاد في (ق) و (م): ((وابن عباس)).
[10] في (م): ((أجد)).
[11] قوله: ((بين المغرب والعشاء. وبحديث.... ظهر سير)) ليس في (ق).
[12] في (ز) و (ي) و(ص): ((طريق)) والمثبت من (م) و(ق).
[13] زاد في (ق) و (م): ((حديث)).
[14] زاد في (ق) و (م): ((وحديث أنس)).
[15] في (ق) و (م): ((قال الطبري وقد)).
[16] في (ق) و (م): ((قال)).
[17] قوله: ((ولو)) ليس في (م).
[18] في (ق) و (م): ((للمسافرين)).
[19] في (ق) و (م): ((روى)).
[20] في (ق) و (م) و(ص): ((قال)).
[21] زاد في (ق) و (م): ((شرط)).
[22] قوله: ((كما قال جمهور العلماء)) ليس في (ق).
[23] في (ق): ((تعارض)).
[24] في (ق) و (م): ((يجوز الجمع للمسافر جدَّ به السير أو لم يجدَّ ولم يخف شيئًا إلا لقطع السفر وهو قول)).
[25] قوله: ((فيصليها ثلاثًا ثم يسلم)) ليس في (ق) و (م).
[26] في (ق) و (م): ((وقوله)).
[27] في (ص): ((للصلوات)).
[28] في (م): ((أوقاتهن)).
[29] قوله: ((أن يريد)) ليس في (ق).