شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها

          ░12▒ بابُ: مَنْ تَطَوَّعَ في السَّفَرِ.
          وَرَكَعَ النَّبيُّ صلعم في السَّفَرِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ(1).
          فيه: ابْنُ أبي لَيْلَى، قَالَ: مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّه رأى النَّبيَّ(2) صلعم صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ، ذَكَرَتْ: (أَنَّ النَّبيَّ(3) صلعم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ في بَيْتِهَا، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ). [خ¦1103]
          وفيه: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّهُ: (رَأَى النَّبيَّ صلعم صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ في السَّفَرِ على ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ، حَيْثُ توجَّهَتْ بِهِ). [خ¦1104]
          وفيه ابنُ عُمَرَ أنَّهُ (رَأى النَّبيَّ صلعم يُسبِّحِ على ظَهرِ رَاحِلَتِهِ حَيثُ(4) كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ)، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
          قد تقدَّم في الباب قبل هذا من لم يتطوَّع في السَّفر قبل الفريضة ولا بعدها، [خ¦1101] ونذكر في هذا الباب من تطوَّع فيه(5)، روى اللَّيث عن صفوان بن سُلَيم عن أبي بُسْرَة(6) عن البراء بن عازبٍ قال: ((سَافَرتُ معَ رسولِ الله صلعم ثمانِ عشرَةَ سفرةً فما رأيتُهُ تركَ الرَّكعتينِ قبلَ الظُّهرِ)).
          وأمَّا صلاته صلعم الضُّحى يوم الفتح فإنَّه صلَّاها في بيته بالأرض على غير راحلته(7) فدلَّ ذلك على جواز التَّنفُّل في السَّفر بالأرض(8) لأنَّه(9) لم تكن تلك صلاةَ الضُّحى، لقول ابن أبي ليلى: ما أخبرنا أحدٌ أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى الضُّحى(10). فإنَّه قد صلَّاها بالأرض وإلى القبلة في السَّفر بخلاف قول ابن عمر، وكذلك صلاته صلعم ركعتي الفجر في السَّفر وتنفُّله على الرَّاحلة(11) باللَّيل والنَّهار فيه دليلٌ على جواز التَّنفُّل على الأرض لأنَّه لمَّا جاز له التَّنفُّل على الرَّاحلة كان في الأرض أجوز(12)، وقد قال الحسن البصريُّ: كان أصحاب النَّبيِّ صلعم يسافرون ويتطوَّعون(13) قبل المكتوبة وبعدها، وهو قول جماعة العلماء.
          قال ابن المنذر(14): رُوِّينا ذلك عن عمر وعليٍّ وابن مسعودٍ وجابرٍ وابن عبَّاسٍ وأنسٍ(15) وأبي ذرٍّ، وجماعةٍ(16) من التَّابعين يكثر عددهم، وهو قول مالكٍ والكوفيِّين والشَّافعيِّ / وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ، وهو الصَّحيح لأنَّه ثبت(17) عن النَّبيِّ صلعم أنَّه كان يتنفَّل(18) في السَّفر من غير وجهٍ، وليس قول ابن أبي ليلى بحُجَّةٍ تسقط صلاة الضُّحى، لأنَّ كثيرًا من الأحاديث يرويها واحدٌ عن النَّبيِّ صلعم يُلجأ(19) إليه فيها(20)، وتصير سننًا(21) معمولًا(22) بها، وما فعله النَّبيُّ صلعم مرَّةً(23) اكتفت أمَّته(24) بذلك، فكيف وقد روى أبو هريرة وأبو الدَّرداء عن النَّبيِّ صلعم أنَّه أوصاهما(25) بثلاثٍ، منها ركعتا الضُّحى.


[1] في (ق) و(م): ((ركعتي الفجر في السفر)).
[2] في (ق) و(م) و(ص): ((أحد أنَّ النَّبيَّ)).
[3] في (ق) و(م): ((رسول الله)).
[4] قوله: ((توجَّهَتْ بِهِ)) وفيه ابنُ عُمَرَ...على ظَهرِ رَاحِلَتِهِ حَيثُ ليس في (ص).
[5] قوله: ((فيه)) ليس في (ي).
[6] في حاشية (م): ((أبو بسرة الغفاري تابعي لا يوقف عند اسمه وليس بأبي بصرة الصاحب وإن كانا جميعًا غفاريين لم يرو عن أبي بسرة غير صفوان بن سليم وقيل في صفوان بن سليم أنه مولى بني غفار والصحيح أنه مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف. تم. لكن قال في كلامه أن هذه الحاشية كانت بخط الفقيه أبي القاسم بن أبي جمرة)).
[7] في (ق) و(م): ((راحلة)).
[8] في (ق) و(م): ((في الأرض)).
[9] زاد في (ق) و(م): ((إن)).
[10] زاد في (ق) و(م): ((غير أم هانئ)).
[11] زاد في (ق) و(م): ((فيه)).
[12] زاد في (ق) و(م): ((وهذا وجه استدلاله بحديث عامر بن ربيعة وابن عمر في هذا الباب)).
[13] في (ق) و(م): ((فيتطوعون)).
[14] في (ص): ((ابن عمر)).
[15] في (ق) و(م): ((وأنس وابن عباس)). في (ص): ((عن عمر وعليٍّ وابن عبَّاسٍ وابن مسعودٍ وأنسٍ)).
[16] في (ق) و(م): ((وعن جماعة)).
[17] في (ق) و(م): ((لأنه قد ثبت)).
[18] في (ق) و(م): ((يتطوع)).
[19] في (ق) و(م): ((ويلجأ)).
[20] قوله: ((فيها)) ليس في (م).
[21] في (ص): ((سنَّة)).
[22] في (ي): ((معمول)).
[23] في (ق) و(م): ((وما فعله ◙ في مرة)).
[24] في (ص): ((الأمة)).
[25] في (ق): ((أنه وأهلها)).