شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: يصلي المغرب ثلاثًا في السفر

          ░6▒ بابُ: يُصلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاثًا في السَّفَرِ.
          فيه: ابنُ عُمَر قَالَ(1): (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ في السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ). [خ¦1091]
          قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ في السَّفَرِ، يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ(2)، وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ(3). وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ، حِينَ اسْتُصْرِخَ على امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أبي عُبَيْدٍ فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاةَ، فَقَالَ(4): سِرْ، فَقُلْتُ: الصَّلاةَ، / فَقَالَ: سِرْ(5)، حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ، أَوْ ثَلاثَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ قَالَ: (هَكَذَا رَأَيْتُ رسُول الله صلعم يُصلِّي(6) إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. يُقيم الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ(7) الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ(8)).
          أجمعت الأمَّة على أنَّ المغرب يُصلَّى(9) ثلاثًا في السَّفر كما يُصلَّى في الحضر، وهذا يدلُّ أنَّ قول عائشة ♦: ((فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكعتينِ ركعتينِ، فأقرَّت صلاةُ السَّفرِ، وزيدَ(10) في صلاةِ الحضرِ))، ليس على عمومه في الصَّلوات كلِّها للإجماع أنَّ المغرب ثلاثًا(11) لا يزاد فيها في حضرٍ ولا ينقص منها في سفرٍ، وكذلك الصُّبح ركعتان في السَّفر والحضر(12).
          قال المُهَلَّب: ولم تقصر المغرب في السَّفر عمَّا كانت عليه في أصل(13) الفريضة، لأنَّها وتر صلاة النَّهار، ولم يزد في الفجر(14) لطول قراءتها(15)، وقد رُوي هذا عن عائشة ♦.
          وفي(16) تقصير ابن عمر حين استُصرخ على صفيَّة امرأته من الفقه: أنَّ(17) التَّقصير في السَّفر المباح غير الحجِّ والجهاد جائزٌ(18)، على ما يذهب إليه جماعة الفقهاء، وردٌّ لقول أهل الَّظاهر الَّذين لا يجيزون التَّقصير إلَّا في سفر(19) الحجِّ والجهاد، وحُكي(20) أنَّه مذهب ابن مسعودٍ، وابن عمر روى السُّنَّة في ذلك عن النَّبيِّ صلعم وفهم عنه معناها، وأنَّ ذلك جائزٌ في كلِّ سفرٍ مباحٍ، ألا ترى قول ابن عمر: ((هكَذا رأَيتُ النَّبيَّ صلعم إذا أَعجلَهُ السَّيرُ يَفْعلُ(21)))، وهذا(22) عامٌّ في كلِّ سفرٍ(23)، فمن ادَّعى أنَّ ذلك في بعض الأسفار دون بعضٍ فعليه الدَّليل، ويُقال لهم: إنَّ الله تعالى(24) قرن بين أحوال المسافرين في طلب(25) الرِّزق والمسافرين في قتال العدوِّ في(26) سقوط قيام اللَّيل عنهم، فقال تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} إلى قوله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}[المزمل:20]، فلما سوَّى بينهم تعالى في سقوط قيام اللَّيل وجبت(27) التَّسوية بينهم في استباحة رخصة التَّقصير في السَّفر، وهذا دليلٌ لازمٌ.
          وفيه: دليلٌ على تأكيد قيام اللَّيل لأنَّه ◙ كان لا يتركه في السَّفر فالحضر أولى بذلك.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] قوله: ((قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ.... وَبَيْنَ الْعِشَاءِ)) ليس في (ق) و(م).
[3] في (ي): ((وكان عبد الله يفعله)). قوله: ((الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا...ابنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ)) ليس في (ص).
[4] في (ق) و(م): ((قال)).
[5] قوله: ((فَقُلْتُ: الصَّلاةَ، فَقَالَ: سِرْ)) ليس في (ق) و(م).
[6] قوله: ((يصلي)) ليس في (ق) و(م).
[7] في (ي): ((يقم)).
[8] قوله: ((ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلا يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((تصلَّى)) كذا في الموضع الآتي.
[10] في (ص): ((وزيدت)).
[11] في (ص): ((ثلاثة)).
[12] في (م) و(ص): ((في الحضر والسفر)).
[13] في (ص): ((صلاة)).
[14] في (م): ((في صلاة الفجر)).
[15] في (ق): ((قنوتها)).
[16] في (ص): ((في)).
[17] في (ق) و(م): ((جواز)).
[18] قوله: ((جائز)) ليس في (ق) و(م).
[19] قوله: ((سفر)) ليس في (ص).
[20] في (ق) و(ص): ((وذكر)).
[21] قوله: ((يفعل)) ليس في (ص).
[22] زاد في (ق) و(م): ((لفظ)).
[23] في (ق) و(م): ((سير)).
[24] زاد في (ي) و(م) و(ص): ((قد)).
[25] قوله: ((طلب)) ليس في (م).
[26] في (ق): ((وفي)).
[27] في (ص): ((ووجبت)).