شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها

          ░11▒ بابُ: مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ في السَّفَرِ.
          فيه ابْنُ عُمَرَ، قَالَ: (صَحِبْتُ النَّبيَّ صلعم فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ في السَّفَرِ، وَقَالَ(1) تعالى: / {لَقَدْ(2) كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]). [خ¦1101]
          وقال: (صَحِبْتُ النَّبيَّ صلعم فَكَانَ(3) لا يَزِيدُ في السَّفَرِ على رَكْعَتَيْنِ)، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ. [خ¦1102]
          قول ابن عمر: (لَمْ أَرَ النَّبيَّ صلعم يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ) يريد لم أره يتطوَّع في السَّفر قبل صلاة الفريضة ولا بعدها، يعني بالأرض، لأنَّه قد روى ابن عمر عن النَّبيِّ صلعم ((أنَّه كانَ يصلِّي على راحلتِهِ في السَّفرِ حيثُ توجَّهَت بهِ، وأنَّه كانَ يتهجَّدُ بالليلِ في السَّفرِ))، و على هذا التَّأويل لا تتضادُّ الأخبار عن ابن عمر، وقد جاء هذا المعنى بَيِّنًا عنه، ذكر(4) البخاريُّ في صلاةِ المغرب(5) ثلاثًا في السَّفر(6) حديث ابن عمر حين استُصرِخ على صفيَّة زوجته وأنَّه جمع بين المغرب والعشاء، وقال: ((هكذا رَأيتُ رسولَ اللهِ صلعم يصلِّي المغربَ ثلاثًا ثمَّ يسلِّمُ، ثمَّ قلَّمَا يلبثُ حتَّى يقيمَ العشاءَ فيصلِّيَها ركعتينِ ثمَّ يسلِّمُ، ولا يسبِّحُ بعدَ العشاءِ حتَّى يقومَ مِنْ جوفِ اللَّيلِ)).
          وذكر مالك في «الموطَّأ» عن نافعٍ، عن ابن عمر أنَّه كان(7) يصلِّي على الأرض وعلى راحلته حيث توجَّهت به، فبان أنَّه أراد بقوله: ((لم أرَ رسولَ الله صلعم يسبِّحُ في السَّفرِ)) التطوَّع في الأرض(8) المتِّصل بالفريضة الَّذي حكمه حكمها في استقبال القبلة والرُّكوع والسجود، وكذلك(9) كان ابن عمر يقول: لو تنفَّلت لأتممت، أي لو تنفَّلت التَّنفُّل الَّذي هو(10) من جنس الفريضة لجعلته في الفريضة ولم أقصرها.
          وممَّن كان لا يتنفَّل في السَّفر قبل الصَّلاة(11) ولا بعدها سوى ابن عمر: عليُّ بن الحسين(12)، وسعيد بن المسيِّب، وسعيد بن جبيرٍ، وليس قول ابن عمر: (لَمْ أَرَ النَّبيَّ صلعم يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ)، بحجَّةٍ على من رآه ◙ لأنَّ من نفى شيئًا فليس بشاهدٍ، وقد رُوي عن النَّبيِّ صلعم: ((أنَّهُ تنفَّل في السَّفرِ(13) معَ صلاةِ الفريضةِ))، وهو قول عامَّة العلماء(14).
          وقال(15) الطَّبريُّ: يحتمل أن يكون تركُه صلعم التَّنفُّل في السَّفر في حديث ابن عمر تحريًّا منه صلعم إعلام أمَّته أنَّهم في أسفارهم بالخيار في التَّنفُّل بالسُّنن المؤكَّدة وتركها، وقد بيَّن ذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم كان إذا جمع في السَّفر صلَّى المغرب، ثمَّ يدعو بعَشَائه فيتعشَّى، ثمَّ يرتحل، وإذا جاز الشُّغل بالعَشَاء(16) بعد دخول وقت العِشَاء وبعد الفراغ من صلاة المغرب، فالشُّغل بالصَّلاة أحرى أن يجوز، وسأذكر ذلك في الباب الَّذي بعد هذا، [خ¦1103] إن شاء الله تعالى(17).


[1] في (ص): ((وقد قال)).
[2] في (ز): ((قد)) والمثبت من باقي النسخ.
[3] في (ق): ((وكان)).
[4] في (ص): ((ذكره)).
[5] في (ق) و(م): ((في باب يصلي المغرب)).
[6] زاد في (ز) و(ي): ((في)) وحذفها أليق بالسياق.
[7] زاد في (ق) و(م): ((لا يصلي مع الفريضة في السفر شيئًا قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل فإنه كان)).
[8] في (ق): ((بالأرض)).
[9] في (ق) و(م): ((ولذلك)).
[10] قوله: ((هو)) ليس في (ق).
[11] في (ق) و(م): ((الفريضة)).
[12] في (ق) و(م): ((ولا بعدها حسين بن علي)).
[13] قوله: ((بحجة على من رآه... تنفل في السفر)) ليس في (ق).
[14] في (ق) و(م): ((وسأذكر ذلك في الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى)).
[15] في (ق) و(م) و(ص): ((قال)).
[16] في (ص): ((في العشاء)).
[17] قوله: ((وسأذكر ذلك في الباب الذي بعد هذا، إن شاء الله تعالى)) ليس في (م). قوله: ((وقد بيّن ذلك أن النبي... إن شاء الله تعالى)) ليس في (ق).