شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به

          ░7▒ بابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ على الدَّابَّةِ وَحَيْثُمَا(1) تَوَجَّهَتْ بِهِ.
          فيه: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يُصلِّي على نَاقَتِهِ(2) حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ). [خ¦1093]
          وفيه حديث(3): (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يصلِّي التَّطَوُّعَ، وَهُوَ رَاكِبٌ في غَيْرِ الْقِبْلَةِ). [خ¦1094]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ: أَنُّه كَانَ يُصلِّي على رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، يُخْبِرُ(4) أَنَّ رسُولَ الله صلعم كَانَ يَفْعَلُهُ. [خ¦1095]
          قال المُهَلَّب: هذه الأحاديث تخصُّ قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}[البقرة:144]، وتُبيِّن(5) أنَّ معناه في المكتوبات، وما كان من النَّوافل في الأرض، وتُفسِّر(6) قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}[البقرة:115]أنَّ ذلك في النَّافلة على الدَّابَّة، وقد رُوي عن ابن عمر أنَّ هذه الآية نزلت في(7) قول اليهود في القبلة، وذهب جماعة الفقهاء إلى الأخذ بهذه الأحاديث، وأجازوا التَّنفُّل على الدَّابَّة في السَّفر إلى غير القبلة.
          وممَّن رُوي ذلك عنه(8): عليٌّ و(9) الزُّبير وأبو ذرٍّ وابن عمر وأنسٌ، وبه قال طاوس وعطاءٌ، وإليه ذهب مالكٌ والثَّوريُّ والكوفيُّون واللَّيث والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمد وأبو ثورٍ، غير أنَّ(10) أحمد(11) وأبا ثورٍ كانا يستحبَّان أن يستقبل القبلة بالتَّكبير.
          واختلفوا في الصَّلاة على الدَّابَّة في السَّفر الَّذي لا تقصر في مثله الصَّلاة، فقال الفقهاء الَّذين تقدَّم ذكرهم(12): يصلِّي في قصير السَّفر وطويله، غير مالكٍ فإنَّه قال: لا يصلِّي أحدٌ على دابَّته في سفرٍ لا تقصر في مثله الصَّلاة(13)، والحجَّة له أنَّ الخبر إنَّما ورد عن رسول الله صلعم أنَّه كان يصلِّي على راحلته في سفره إلى خيبر، وجائزٌ قصر الصَّلاة من المدينة إلى خيبر، ولم ينقل عنه أنَّه صلعم صلَّى على دابَّته إلَّا في سفرٍ تقصر الصَّلاة فيه، كذلك رواه مالكٌ(14) عن عَمْرو بن يحيى، عن سعيد بن يسارٍ، عن ابن عمر قال: ((رَأيتُ رسولَ اللهِ يُصلِّي على حِمارٍ وهُوَ مُتَوجِّهٌ إلى خَيبرَ)).
          وأيضًا فإنَّ ذلك رخصةٌ في السَّفر كالفطر والقصر، فينبغي أن تكون هذه الرُّخص كلُّها على طريقةٍ واحدةٍ، وأيضًا فإنَّ القبلة آكد لأنَّ الصَّلاة تقصر في السَّفر، ولا يعدل فيها عن القبلة مع القدرة، فلمَّا كان في السَّفر القصير لا يقصر والقصر أضعف، كان بألَّا يجوز ترك القبلة أولى.
          وحجَّة أهل المقالة الأولى(15) الآثار الواردة بذلك ليس / فيها تحديد سفرٍ ولا تخصيص مسافةٍ، فوجب حملها على العموم في كلِّ سفرٍ قصيرٍ أو طويلٍ، ومن(16) طريق النَّظر أنَّ الله تعالى جعل التَّيمُّم رخصةً للمريض والمسافر، وقد أجمعت الأمَّة أنَّ من كان خارج المصر على ميلٍ أو أقلَّ ونيَّته العودة إلى منزله لا الشُّخوص إلى سفر، ولم يجد ماءً أنَّه يجوز له التَّيمُّم، ولا يقع عليه اسم مسافرٍ، فكما جاز له التَّيمُّم في هذا القدر جاز أن يتنفَّل على الدَّابَّة ولا فرق بين ذلك، قاله الطَّبريُّ، قال: ولا أعلم من خالف هذا القول من المتقدِّمين إلَّا مالك بن أنسٍ.


[1] في (ق): ((حيثما))، في (ص): ((حيث)).
[2] في (م): ((راحلته)).
[3] في (ق) و (م): ((جابر)).
[4] في (ق) و(ص): ((ويخبر)).
[5] في (ق): ((وبين)).
[6] في (ق) و(ص): ((وتفسير)).
[7] زاد في (ق) و(م): ((صلاة النبي ◙ النافلة على الدابة في السفر وقد قيل إنها نزلت في)).
[8] زاد في (ق) و(م): ((من السلف)).
[9] زاد في المطبوع و(ص): ((ابن)).
[10] في (ق) و(م): ((وطاوس وعطاء وأئمة الفتوى غير أن)).
[11] زاد في (ق) و(م): ((بن حنبل)).
[12] في (ق) و(م): ((فقال أئمة الفتوى)).
[13] في (ق) و (م): ((لا تقصر فيه الصلاة)).
[14] في (م): ((تقصر الصلاة، روى مالك)).
[15] قوله: ((الأولى)) ليس في (ص).
[16] في (ص): ((من)).