شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}

          ░16▒ بابٌ: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ}[الأعراف:43]
          و {لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[الزمر:57]
          فيه: الْبَرَاءُ: (رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَنقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلا صُمْنَا وَلا صَلَّيْنَا). [خ¦6620]
          في هاتين الآيتين وفي الحديث نصٌّ أنَّ الله تعالى انفرد بخلق الهدى والضَّلال، وأنَّه أقدر(1) العباد على اكتساب ما أراد منهم اكتسابَهم له مِن إيمان أو كفر، وأنَّ ذلك ليس بخلق للعباد كما زعمت القدريَّة. وروي عن(2) علي بن أبي طالب ☺ لقي رجلًا مِن القدريَّة فقال له: خالفتم الله وخالفتم الملائكة وخالفتم أهل الجنة وخالفتم أهل النَّار وخالفتم الأنبياء وخالفتم الشَّيطان، فأمَّا خلافكم الله تباركَ وتعالى فقولُه: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(3)}[القصص:56]، وأمَّا خلافكم الملائكة فقولهم: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحكيمُ(4)}[البقرة:32]، وأمَّا خلافكم الأنبياء فقول نوح: {وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(5)}[هود:34]، وأمَّا خلافكم أهل الجنَّة فقولُهم: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللّهُ}[الأعراف:43]، وأمَّا خلافكم لأهل النَّار، فقولُهم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ}[المؤمنون:106]، وأمَّا خلافكم الشيطان، فقول إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الحجر:39].
          وذكر الآجري بإسنادِه عن علي بن أبي طالب / ☺ أنَّ رجلًا أتاه فقال: أخبرني عن القدر، فقال: طريق مظلم فلا تسلكْه. قال: أخبرني عن القدر. قال: بحر عميق فلا تلجْه، قال: أخبرني عن القدر، قال: سر الله فلا تَكَلَّفْه، ثم ولَّى الرجل غير بعيد، ثم رجع فقال لعلي: في المشيئة الأولى أقوم وأقعد، وأقبض وأبسط فقال له علي: إنِّي سائلك عن ثلاث خصال ولن يجعل الله لك مخرجًا(6)، أخبرني أخلقك الله ╡ لما شاء(7) أم لما شئت؟ فقال(8): بل لما شاء، قال: أخبرني أفتجيء(9) يوم القيامة كما شاء(10) أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء(11). قال: أخبرني أجعلك الله كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء. قال: فليس لك مِن المشيئة شيء.
          وقال محمد بن كعب القرظي: لقد سمَّى الله المكذِّبين بالقدر باسم نسبَهم إليه في القرآن فقال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:47-49]فهم المجرمون.


[1] في (ص): ((وإنَّما قدر)).
[2] في (ص): ((أن)).
[3] قوله: ((وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((إِنَكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحكيمُ)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)) ليس في (ص).
[6] زاد في (ص): ((قال)).
[7] في (ص): ((يشاء)).
[8] في (ص): ((قال)).
[9] في (ص): ((أتجيء)).
[10] في (ص): ((يشاء)).
[11] في (ص): ((يشاء)).