شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إلقاء النذر العبد إلى القدر

          ░6▒ بَابُ إِلْقَاءِ النَّذْرِ بالْعَبْدَ إِلَى الْقَدَرِ
          فيه: ابنُ عُمَرَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا، وَإنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ). [خ¦6608]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا يَأْتِي ابنَ آدَمَ النَّذْرُ(1) بِشَيْءٍ لَمْ أكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ، وَلَكِنْ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ). [خ¦6609]
          قال المُهَلَّب: هذا أبين شيء في القدر وأنَّه أمر(2) قد فرغ الله منه وأحكمَه، لا أنَّه شيء يختارُه العبد، فإذا أراد أن يستخرج به مِن البخيل شيئًا ينفعُه به في آخرتِه أو دنياه سبَّب له شيئًا مخيفًا أو مطمعًا فيحملُه ذلك الخوف أو الطَّمع على أن ينذر لله ╡ نذرًا مِن عتق أو صدقة أو صيام، إن صرف الله عنه ذلك الخوف أو أتاه بذلك المطموع فيه، فلا يكون إلا ما قد قضى الله في أمِّ الكتاب، لا يحيلُه النَّذر الَّذي نذرَه عمَّا قدَّرَه، وقد استخرج به منه ما لم يسمح به لولا المخوف الَّذي هرب منه، أو المطموع الَّذي حرص عليه حتى طابت نفسُه بما لم تكن تطيب قبل ذلك.
          ونهيُه صلعم عن النَّذر، وهو مِن أعمال الخير أبلغ زاجر عن توهُّم العبد أنَّه يدفع عن نفسِه ضرًّا أو يجلب إليها نفعًا(3)، أو يختار لها ما يشاء، ومتى اعتقد ذلك فقد جعل نفسَه مشاركًا لله تعالى في خلقِه ومجوِّزًا عليه ما لم يُقَدِّرْه، تعالى عما يقولون.
          ودلَّ هذا أنَّ اعتقاد القلب لما لا يجب اعتقادُه أعظم في الإثم مِن أن يُكفَّر بالصَّدقة والصَّلاة والصَّوم والحجِّ، وسائر أعمال الجوارح الَّتي ينذرُها؛ لأنَّ نهيَه صلعم عن هذا النَّذر، وإن كان خيرًا ظاهرًا يدلُّ على أنَّه حابط مِن الفعل حين توهَّم به الخروج عما قدَّرَه الله تعالى فإن سلم مِن هذا الظَّنِّ واعترف أنَّ نذرَه لا يردُّ عنه شيئًا قد قدَّرَه الله عليه(4) وأنَّ الله سبَّب(5) له بما أخافَه به استخراج صدقة هو شحيح بمثلِها، فإنَّه مأجور بنذرِه ولم يكن حينئذ نذرُه منهيًّا عنه، ولذلك والله أعلم عرَّف الله ╡ نبيه صلعم بهذا الحديث ليعرِّف أمَّتَه بما يجب أن يعتقدوا في النَّذر فلا يحبط عملُهم به.


[1] قوله: ((النذر)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((شيء)).
[3] قوله: ((أو يجلب إليها نفعاً)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((فإن سلم من هذا الظن واعترف أن نذره لا يرد عنه شيئاً قد قدره الله عليه)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((تسبب)).