شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الله أعلم بما كانوا عاملين

          ░3▒ بَابُ قَوْلِهِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ
          فيه: ابنُ عَبَّاس: (سُئِلَ النَّبيُّ صلعم عَنْ أَوْلادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ). [خ¦6597]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، مِثْلَهُ. وقَالَ عَنِ(1) النَّبيِّ صلعم: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ) إلى قولِه: (أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ؟ قَالَ: اللهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ). [خ¦6599] [خ¦6600]
          قال المؤلِّف: غرضُه في هذا الباب الردُّ على الجهميَّة في قولِهم: إن الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها، تعالى الله عن قولهم(2)، فردَّ النَّبيُّ صلعم ذلك مِن قولِهم، وأخبر في هذا الحديث أنَّ الله تعالى يعلم ما لا يكون أن(3) لو كان كيف كان يكون، ومصداق هذا الحديث في قولِه ╡: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام:28]، وقال في آية أخرى: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}[الأنفال:23 / فإذا ثبت بهاتين الآيتين المصدقتين لحديثِه صلعم أنَّه يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فأحرى أن يعلم ما يكون، وما قدَّرَه وقضاه في كونِه.
          وهذا يقوِّي ما يذهب إليه أهل السنَّة أنَّ القدر هو علم الله وغيبُه الَّذي استأثر به فلم يُطْلِع عليه ملكًا مقرَّبًا ولا نبيًّا مرسلًا. وروى رَوْح بن عُبَاْدَة عن حبيب بن الشَّهيد عن محمد بن سيرين قال: ما ينكر هؤلاء_يعني القدرية_ أن يكون الله علم علمًا فجعلَه كتابًا. وقد قيل: إنَّ بعض الأنبياء كان يسأل الله تعالى عن القضاء والقدر، فمُحِي مِن النبوَّة.
          وروى ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((إِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمْسِكُوا)). وقال بلال بن أبي بُرْدَة لمحمَّد بن واسع: ما تقول في القضاء والقدر؟ فقال: أيها الأمير، إنَّ الله تعالى لا يسأل عبادَه يوم القيامة عن قضائِه وقدرِه، وإنَّما يسألُهم عن أعمالِهم.
          وكتب عُمَر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري: إنَّ الله لا يطالب خلقَه بما قضى عليهم، وإنَّما(4) يطالبُهم بما نهاهم عنه وأمرَهم به، فطالِبْ نفسك مِن حيث يطالبك ربُّك.
          وسُئِل أعرابي عن القدر، فقال: النَّاظر في قدر الله كالنَّاظر في عين الشَّمس يعرف ضوءَها ولا يقف على حدودِها.
          وقولُه: (كَمَا تُنْتِجُونَ النَّاقَةَ) قال أبو عُبيد(5): يقال: نَتَجْتُ(6) النَّاقة إذا أَعَنْتُها على النِّتاج.


[1] في (ص): ((فقال)) دون قوله: ((عن)).
[2] قوله: ((تعالى اللهُ عن قولهم)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((أن)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((ولكن)).
[5] في (ز) تصحيفًا: ((أبو علي)) والمثبت من (ص).
[6] في (ز): ((تنتجت)) والمثبت من (ص).