شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب لا حول ولا قوة إلا بالله

          ░7▒ بابُ لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ
          فيه: أَبُو مُوسَى: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلعم في غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لا نَصْعَدُ شَرَفًا، وَلا نَهْبِطُ وَادِيًا، إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ، قَالَ(1): فَدَنَا مِنَّا النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: يَا(2) أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا على أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنَّما تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَاللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ: لَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ). [خ¦6610]
          هذا باب جليل في الرَّدِّ على القدريَّة، وذلك أنَّ معنى لا حول ولا قوَّة إلَّا بالله(3): لا حول للعبد ولا قوَّة له إلَّا بالله أي: بخلق الله ╡ له الحول والقوَة، الَّتي هي القدرة على فعلِه للطَّاعة والمعصية.
          قال المُهَلَّب: فأخبر ╕ أنَّ البارئ تعالى خالقٌ لحول العبد وقدرتِه على مقدورِه، وإذا كان خالقًا للقدرة فلا شكَّ أنَّه خالق للشَّيء المقدور، فيكون المقدور كسبًا للعبد خلقًا لله ╡ بدليل قولِه تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الأنعام:102]، وقولِه تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49]، وقال محمد بن كعب القرظي: نزلت هذه الآية يعني الأخيرة تعييرًا لأهل القدر.
          والدَّليل على أنَّ(4) أفعالَهم خلقٌ لله تعالى أنَّ أيديَهم الَّتي هي عندَهم خالقة لأعمال الشَّرِّ مِن الظلم والتَّعدِّي(5) وفروجَهم الَّتي هي خالقة للزِّنا قد توجد عاطلة مِن الأعمال عاجزة عنها، ألا ترى أنَّ مِن النَّاس مَن يريد الزِّنا وهو يشتهيه بعضو لا آفة فيه، فلا يقدر عليه عند إرادتِه للزِّنا، ولو كان العبد خالقًا لعملِه(6) لما عجزت أعضاؤُه عند(7) إرادته ومستحكم شهوتِه، فثبت أنَّ القدرة ليست لها، وأنها لمُقَدِّر يقدِّرُها إذا شاء ويعطلها إذا شاء، لا إله إلا هو.
          وإنَّما أمرَهم صلعم بالرَّبْع على أنفسِهم على جهة الرِّفق بهم، وقد بيَّنَّا هذا المعنى في باب: ما يُكرَه مِن رفع الصَّوت بالتَّكبير(8) في كتاب الجهاد(9)، وعرَّفَهم صلعم أنَّ ما يعلنون به(10) مِن التَّكبير ويجتهدون فيه مِن الجهاد هو مِن فضل الله عليهم إذ لا حول لهم ولا قوَّة في شيء منه إلَّا بالله الَّذي أقدَرَهم عليه، وحبَّبَه إليهم، وإن كان فيه تِلَاف نفوسِهم رغبة في جزيل الأجر وعظيم الثَّواب.
          وفيه: أنَّ التَّكبير يسمَّى دعاء لقولِه صلعم: (إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا) فجعل قولَهم: الله أكبر دعاء له ╡ مِن أجل أنَّهم كانوا يريدون به إسماعَه الشَّهادة له بالحق. /


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((يا)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((إلا بالله)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((أن)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((من التعدي والظلم)).
[6] في (ص): ((لأعماله)).
[7] في (ص): ((عن)).
[8] قوله: ((وقد بينا هذا المعنى في باب: ما يكره من رفع الصوت بالتكبير)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((وقد تقدم في كتاب الجهاد)).
[10] قوله: ((به)) ليس في (ص).