شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}

          ░10▒ بابُ قَوْلِه تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}[الإسراء:60]
          فيه: ابنُ عَبَّاسٍ، في هذه الآية: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ(1) أُرِيَهَا النَّبيُّ صلعم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إلى بَيْتِ الْمَقْدِسِ،{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ}[الإسراء:60]قال: هِيَ شَجَرَةُ(2) الزَّقُّومِ. [خ¦6613]
          قال المُهَلَّب: معنى ذِكْرِ هذا الحديث في كتاب / القدر هو ما ختم الله تعالى على النَّاس المكذِّبين لرؤياه مِن المشركين حين جعلَها فتنة لهم في تكذيب النَّبيِّ الصَّادق ╕ فكانت زيادة في طغيانِهم، وكذلك جعل الشَّجرة الملعونة في القرآن فتنة فقالوا: كيف يكون في النَّار شجرة؟ النَّار تحرق الشَّجر اليابس والأخضر، فجعل ذلك فتنة تزيد في ضلالِهم، فلا يؤمنوا على ما سبق في علمِه. قال غيرُه: وقولُه تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً(3)}[الإسراء:60]يقتضي خلق الله تعالى للكفر به، ودواعي الكفر هي الفتنة، وذلك عدل منه تعالى.
          وهذا مثل قولِه تعالى: {وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ}[إبراهيم:27]، فهذا عامٌّ في فعلِه تعالى كُفْرَ الكافرين وإيمانَ المؤمنين ودواعي الإيمان والكفر خلافًا لمَن زعم أنَّ الله تعالى غير خالق أعمال العباد.
          وقولُه:{وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرآنِ(4)} يريد(5): الملعونُ آكلُها وهم الكفار، كما قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الأَثِيمِ}[الدخان:43-44]، وقال تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ}[الصافات:64]، فأخبر ╡ أنَّها تنبت في النَّار، وأمَّا قول الكفَّار: كيف يكون في النَّار شجرة، والنَّار(6) تأكل الشَّجر، فإنَّ هذه الشَّجرة الَّتي أخبر الله تعالى أنَّها في أصل الجحيم هي مخلوقة مِن جوهر لا تأكلُه النَّار كسلاسل النَّار وأغلالِها وعقاربِها وحيَّاتِها، وليس شيء مِن ذلك مِن جنس ما في الدُّنيا ممَّا لا يبقى على النَّار، وإنَّما خلقت مِن جنسٍ لا تأكلُه النَّار، وكما خلق الله تعالى في البحار مِن الحيوان ما لا يهلك في الماء، وخلق في الخل دودًا يعيش فيه ولا يهلكُه، على أنَّ الخلَّ يفت الحجارة ويهري الأجسام، ولم يكن ذلك إلا لموافقة ذلك الدُّود لجنس الخل وموافقة حيوان البحر جنس الماء، فكذلك ما خلق في النَّار مِن الشَّجر والحيوان موافق لجنس النار، والله تعالى قادر أن يجعل النار بردًا وسلامًا، وأن يجعل الماء نارًا، لأنَّه على كلِّ شيء قدير، فما أنكرَه الكفَّار مِن خلق الشَّجر في النَّار عناد بيِّن، وضلال واضح، أعاذنا الله مِن الضَّلال برحمتِه.


[1] قوله: ((عَينٍ)) زيادة من (ص).
[2] قوله: ((شجرة)) ليس في (ص).
[3] زاد في (ص): ((للناس)).
[4] قوله: ((في القرآن)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((يعني)).
[6] قوله: ((والنار)) ليس في (ص).