شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء

          ░13▒ بابُ نَعَوذُ بِاللهِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ
          وَقَالَ تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}[الفلق:1].
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ). [خ¦6616]
          قال المؤلِّف: المستفاد(1) مِن قوله ╡: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}[الفلق:1]إلى آخر السُّورة، خلقُ الله تعالى لشرِّ ما خلق ولشرِّ غاسق ولشرِّ النفَّاثات ولشرِّ حاسد؛ لأنَّه لو كان هذا الشَّرُّ كلُّه خلقًا لمَن أضافَه إليه مِن الغاسق والنفَّاثات والحاسد مُخترَعًا لا كسبًا لم يكن لأمر الله تعالى لنبيِّه ولعبادِه بالتعوُّذ به مِن شرِّ ذلك كلِّه معنى، وإنَّما يصح التعوُّذ به ╡ ممَّا هو قادر عليه دون مَن أضافَه إليه، فتعبَّدَنا تعالى بسؤالِه دَفْعَ شرِّ خلقِه عنَّا، لأنَّه إذا كان قادرًا على فعل ما أضافَه إلى مَن ذُكِرَ في السُّورة كان قادرًا على فعل ضدِّه وتعبُّدِنا بسؤالِه تعالى فعل ضدِّ ما أَمرَنا بالاستعاذة منه، فبان أنَّ الخير والشَّرَّ بهذا النَّصِّ خلق الله تعالى.
          وأمَّا(2) قولُه صلعم: (تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ البَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ) فإنَّما أمرَنا بالتعوُّذ به تعالى مِن أن ينزل بنا فعلًا مِن أفعالِه يشقُّ علينا نزولُه بنا لما يقتضيه مِن الشِّدَّة والمشقَّة، وذلك بلاء وشقاء وسوء قضاء وشماتة أعداء، فالشَّقاء يكون في دين ودنيا، وإذا كان في الدُّنيا كان تضييقًا في العيش وتقتيرًا في الرزق، وذلك فِعْلُ الله تعالى وإن كان في الدِّين فذلك كفر أو معاصي وذلك فِعْلُ الله تعالى أيضًا، وكذلك سوء القضاء عامٌّ في جميع ما قضاه تعالى مِن أمر الدِّين والدُّنيا، وشماتة الأعداء وإن كانت مضافة إليهم إضافة الفعل إلى فاعلِه في الظَّاهر فإنَّما ذلك على سبيل إضافة الكسب إلى مكتسبِه لا على سبيل الاختراع، إذ لا يصحُّ في المخلوق اختراع عين، فبان أنَّ جميع ما أمرنا بالتعوُّذ منه به تعالى خلق لله بدليل قولِه: {خَالِقُ كُلِّ شيء}[الأنعام:102].


[1] في (ص): ((والمستفاد)) دن قوله: ((قال المؤلف)).
[2] في (ص): ((فأمَّا)).