شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا مانع لما أعطى الله

          ░12▒ بابٌ: لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللهُ ╡
          فيه: الْمُغِيرَةُ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَقُولُ خَلْفَ الصَّلاةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ). [خ¦6615]
          قال المؤلِّف(1): المراد بهذا الحديث إثبات خلق الله تعالى جميع أعمال العباد لأنَّ قولَه: (لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ) يقتضي نفي جميع المانعين سواه، وكذلك قولُه: (وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ) يقتضي نفي جميع المعطين سواه، وأنَّه لا معطي ولا مانع على الحقيقة بفعل المنع والعطاء سواه، وإذا كان ذلك كذلك ثبت أنَّ مَن أعطى أو منع مِن المخلوقين فإعطاؤُه ومنعُه خلقٌ لله تعالى وكسب للعبد، والله تعالى هو المعطي وهو المانع لذلك حقيقة مِن حيث كان مخترعًا خالقًا للإعطاء والمنع، والعبد مكتسب لهما بقدرة محدثة، فبان أنَّه إنَّما نفى مانعًا ومعطيًا مخترعًا للمنع والإعطاء / ويخلقهُما.
          قال الطَّبري: وقولُه: (لَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) بفتح الجيم في الحرفين جميعًا يقول: لا ينفع ذا الحظِّ في الدُّنيا مِن المال والولد منك حظُّه في الآخرة، لأنَّه إنَّما ينفع عند الله في الآخرة(2) العمل الصَّالح لا المال والبنون، كما قال ╡: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(3)}[الكهف:46]الآية.
          وحكي عن أبي عَمْرو الشَّيباني أنَّه كان يقول: إنَّما هو الجِد بكسر الجيم في الحرفين جميعًا، بمعنى: ولا ينفع ذا الاجتهاد في العمل منك اجتهادُه.
          قال الطَّبري: وهذا خلاف ما يعرفُه أهل النَّقل والرُّواة لهذا الحديث، ولا نعلم أحدًا قال ذلك غيرَه مع(4) بُعد تأويلِه مِن الصِّحَّة.


[1] قوله: ((قال المؤلِّف)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((في الآخرة عند الله)).
[3] قوله: (({وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا})) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((غير من)).