شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد

          ░5▒ بَاب نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ
          فيه: عَائِشَةُ: (جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنِ الذي لَهُ عِيَالَنَا؟ فقَالَ: لا، إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ). [خ¦5359]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا منْ غَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ). [خ¦5360]
          فيه(1): وجوب نفقة الأهل والولد وإلزام ذلك الزوج، وإن كان غائبًا إذا كان له مالٌ حاضرٌ، واختلف العلماء في ذلك، فقالت طائفةٌ: نفقتها ثابتةٌ عليه(2) في غيبته، روي ذلك عن عُمَر بن الخطَّاب، وعن الحسن البصريِّ، وهو قول مالكٍ والشافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ.
          وقال أبو حنيفة: ليس لها نفقةٌ عليه إلَّا أن يفرضها السلطان، / ولو استدانت عليه وهو غائبٌ لم يفرض لها شيئًا.
          قال ابن المنذر: نفقات الزوجات فرضٌ على أزواجهنَّ، وقد وجب عليه فرضٌ، فلا يسقط عنه لغيبته(3) إلَّا في حالٍ واحدةٍ وهي أن تعصي المرأة وتنشز عليه وتمتنع منه، فتلك حالٌ قد أجمع أهل العلم على سقوط النفقة فيها عنه إلَّا من شذَّ عنهم، وهو الحكم بن عُتَيْبة وابن القاسم صاحب مالكٍ، ولا يلتفت إلى من شذَّ عن الجماعة، ولا يزيل وقوف الحاكم عن إنفاذ الحكم بما يجب فرضًا أوجبه الله ╡، والسنَّة مستقلَّةٌ بنفسها عن أن يزيدها حكم الحاكم تأكيدًا، والفرائض والديون التي يجب أداؤها، والوفاء بالنذور، وما يجب في الأموال من الجنايات على الأبدان(4) مثلما يجب في الحجِّ من الصوم من كفَّارةٍ وفديةٍ لا يزيله وقوف الحاكم عن الحكم به.
          ووجه حديث أبي هريرة في هذا الباب، وإن كان في صدقة التطوُّع وحديث هندٍ(5) في الانتصاف لها من حقٍّ(6) مُنِعَته، فإنَّ المعنى الجامع(7) أنَّه كما جاز للمرأة أن تتصدَّق من مال زوجها بغير أمره بما يشبه وتعلم أنَّه يسمح الزوج بمثله، وذلك غير واجبٍ عليه ولا عليها أن تتصدَّق عنه بماله كان أخذها من مال الزوج بغير(8) علمه ما يجب عليه ويلزمه غرمه أَجوَز أن تأخذه، ويُقضَى لها به، والله الموفِّق.
          وفي حديث عائشة جواز القضاء على الغائب، وسيأتي اختلاف العلماء في ذلك(9) في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى. [خ¦7180]


[1] في (ص): ((وفيه)).
[2] في (ص): ((عليه ثابتة)).
[3] في (ص): ((في غيبته)).
[4] في (ص): ((الأموال)).
[5] في (ص): ((عائشة)).
[6] في (ص): ((في الانتصاف من حق لها)).
[7] زاد في (ص): ((بينهما)).
[8] في (ص): ((من غير)).
[9] قوله: ((اختلاف العلماء في ذلك)) ليس في (ص).