شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال

          ░3▒ بَاب حَبْسِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَتِهِ على أَهْلِهِ
          وَقَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ لي الثَّوريُّ: هَلْ سَمِعْتَ في الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي، ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيث ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ). [خ¦5357]
          وفيه: (إِنَّ اللهَ كان خَصَّ رَسُولَهُ صلعم(1) في هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ... إلى قوله: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُنْفِقُ على أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنه، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ، فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ) الحديث. [خ¦5358]
          قال المُهَلَّب: في هذا الحديث دليلٌ على جواز ادِّخار القوت العام(2) للأهل والعيال، وأنَّ ذلك لا يكون حكرةً، وأنَّ ما ضمه الإنسان من أرضه أو جَدَّه من نخله وثمره وحبسه لقوته لا يسمَّى: حكرةً، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء.
          قال الطبريُّ: وفي(3) هذا ردٌّ على الصوفيَّة في قولهم: إنَّه ليس لأحدٍ ادِّخار شيءٍ في يومه لغده، وأنَّ فاعل ذلك قد أساء الظنَّ بربِّه، ولم يتوكَّل عليه حقَّ توكُّله، ولا خفاء بفساد هذا القول؛ لثبوت الخبر عن النبيِّ صلعم(4) أنَّه كان يدَّخر لأهله قوت السنة.
          وفيه أكبر الأسوة لأمر الله تعالى عباده باتِّباع سنَّته، فهو الحجَّة على جميع خلقه، وقد تقدَّم هذا المعنى مستوعبًا في كتاب الخمس في باب نفقة نساء(5) النبيِّ صلعم بعد وفاته، فأغنى عن إعادته. [خ¦3096]


[1] قوله: ((وفيه: إِنَّ اللهَ كان خَصَّ رَسُولَهُ صلعم)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((للعالم)).
[3] في (ص): ((في)).
[4] في (ص): ((رسول الله)).
[5] قوله: ((نساء)) ليس في (ص).